أعتقد جازماً أنَّ الغرب لا يُقدِّم للمسلمين نموذجاً في الجانب الاجتماعي يُحتذى به، أو يُقتفى أثره، بل الحديث عن موت الغرب بات أمراً يُتحدث فيه بين الغربيين أنفسهم، ولكن الميزة لدى كثير منهم أنَّهم يقومون بدراسات تمحيصيَّة لواقعهم وما يمكن تجديده وتهذيبه، ومن ذلك قرارات كثيرة صدرت عنهم بضرورة الفصل بين الجنسين (الذكور والإناث) وخصوصاً في المؤسسات التعليميَّة.
وفي الوقت الذي يدور فيه خصام شديد وحوار مستديم بين الإسلاميين والتغريبيين في موضوع الاختلاط بين الرجال والنساء بين التحريم والجواز!! فهنالك من بني جلدتنا من لا يزال يغرس لدى متابعي مقالاته وأفكاره شيئاً ممَّا امتصَّه من قيح الغرب وصديدهم المنتشي بالفساد.
وبقدر ما تحدثت به عن تطرفهم الأخلاقي فإنَّ المتتبع لهم يجدهم يُراجعون أنفسهم ويحاولون الانعتاق من عنق زجاجة الانحراف والضياع والمجون التي عاشوا فيها، فلم يروا المصائب التي يقترفونها في حق الإنسانيَّة إلاَّ بعد أن رأوا النتائج السيئة التي قعَّدوا لها.
وعن الواقع التغريبي العلماني الفج في البلاد الإسلاميَّة يمكن الاستشهاد على ذلك بمثال على ما يقوله أحدهم المدعو:(.... وهابي) حين يدعو بكل صفاقة ووقاحة إلى الاختلاط بين الجنسين (في مقال له بعنوان مخاطر الفصل بين الجنسين في المدارس الابتدائية) وليته يقتصر على هذه المهلكة، بل يزيد مقاله ضغثَّا على إبّالة وبليَّة على بليَّة حين يدَّعي أنَّ (الفصل يضعف حصانة المرأة والرجل عند الالتقاء في أماكن العمل, وقد يؤدي إلى انفلات العواطف والغرائز غير المنضبطة, وخاصة في الأجواء غير السليمة!!).
وينتهي قائلاً : (فالاختلاط السليم يهذب فينا ما هو حسي ليرتقي بنا في إنضاج عواطفنا الإنسانية, ويجنبنا مزالق الشطط, فالمنحرفون بشتى صنوفهم تجدهم حسيون..).
ولم يدر هذا المنحرف فكرياً أنَّ الغرب نفسه يُكَذَّبُ دعاويه، ويبين أنَّ ما يقوله إنما هو مجرد هراء.
إنَّني سأتحدث بعد قليل عن أخبار وحوادث وقعت من مراكز وشخصيات غربيَّة في محاربة الاختلاط الذي يدعو إليه هذا الكاتب المتفرنج العلماني، فلن أذكر ذلك عن عالم دين مسلم؛ لكي لا يقول هذا الدعي إنما هي شنشنة المتدينين، بل إنَّما خرجت هذه الآراء والأقوال من أفواه الغربيين أنفسهم...
فها هو الدكتور الفلسطيني "وجيه حمد عبد الرحمن" يقدِّم للقارئ العربي كتاباً يترجمه لنا بعنوان "الغرب يتراجع عن الاختلاط" للمؤلف: "بفرلي شو"، حيث يذكر فيه أن الفطرة البشرية السليمة تؤكد على ضرورة فصل الرجال عن النساء، خاصة في المؤسسات التعليمية، مشيرا إلى أن "العرف قد جرى في كثير من بلدان العالم بغض النظر عن معتقداتها على عملية الفصل، وكان هذا هو النظام المعمول به في بريطانيا حتى ستينات القرن الماضي!" أهـ.
ونلحظ أيضاً أنَّ مدينة كشيكاغو يعيش فيها من السكان قرابة ثمانية ملايين نسمة، قد قاموا بتأسيس مدرسة خاصة للفتيات، وذلك للقلق الذي يساور الآباء والأمهات إزاء ما قد يعترض فتياتهم من تحرشات مختلفة من قبل الفتيان.
بل جعل ذلك بعض النساء اللواتي كنَّ يطالبن بالدمج والمزج بين الجنسين من الرجال والنساء بحجة الحرية والمساواة منذ ربع قرن تختلف نظرياتهنَّ إلى المطالبة بعكس ما كُنَّ يسعين إليه، والرغبة بسن القانون وتفعيله على أرض المدارس، وكذا الحال في في "جافرسن" وهي إحدى ضواحي مدينة "لوس أنجلوس" حيث توجد مدرسة منفصلة يصل قسطها إلى (1000) دولار في الشهر وهذا مكلف بالنسبة للأسر، ومع ذلك يحرصون على تسجيلهم فيها لنجاح المنهجية التعليمية لكلا الجنسين، والحفاظ على بناتهم من التحرش الجنسي.
معاناة خطيرة
لقد عانى الغربيون من بلاءات الاختلاط ، ومصائب النظرة المكارثيَّة التي أسهمت في العملية التربوية حينما جاء في الإعلان العالمي للتربية ما نصُّه: (ينبغي القضاء على كل القوالب الفكرية الجامدة, والقائمة على الفصل بين الجنسين في مجال التربية والتعليم )، لكنَّ كثيراً من الغربيين أدركوا سخافة ووقاحة من كتب مثل ذلك ، فهذا هو الرئيس الأمريكي السابق كنيدي عام 1962م يتحدث عن الأضرار المترتبة على عدم تطبيق نظام الفصل بين الجنسين في قوله: (إن الشباب الأمريكي مائع ومترف وغارق في الشهوات، ومن بين كل سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد منهم ستة غير صالحين، وذلك لأننا سعينا لإباحة الاختلاط بين الجنسين في الجامعة بصورة مستهترة مما أدى إلى إنهاكهم في الشهوات) .
وفي عام 1998م قدمت السيناتور الأمريكية "كي بيلي" قانون المدارس والجامعات غير المختلطة، ومما قالت فيه : "أداء الأولاد يكون جيداً في البيئة التي يوجد فيها الأولاد وحدهم، وذلك نتيجة لعدم انشغالهم بالبنات، وبنفس القدر يكون أداء البنات جيداً وتزداد ثقتهن بأنفسهن".
وبناء على مثل هذه الدراسات، وتلبية لمطالب المجتمع الأمريكي خصصت إدارة الرئيس جورج بوش عام 2002م ما يزيد عن (300) مليون دولار لتشجيع التعليم غير المختلط، وإنشاء مدارس خاصة بالبنين وأخرى للبنات، وتطبيقاً لتلك الإستراتيجية بلغ عدد المدارس الحكومية غير المختلطة في عام 2005م (223) مدرسة بمعدل زيادة سنوية قدرها (300%) ، وبلغ عدد الولايات الأمريكية التي تقدم تعليماً غير مختلط (32) ولاية.
وفي بريطانيا أشارت دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين إلى أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة الطالبات الحوامل وأعمارهن أقل من ستة عشر عاماً، كما أثبتت الدارسة تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة.
ونقلت الأخبار أنَّ الكونجرس الأمريكي وافق في عهد الرئيس بوش على مشروع تطبيق عدم الاختلاط بين الجنسين في المدارس، وكان الكونجرس الأمريكي أعطى توجيهات إلى وزير التربية والتعليم "رود بيج" ببحث سبل توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمام زيادة عدد الفصول التي يتم من خلالها تطبيق عدم الاختلاط بين الجنسين. وكانت قد تقدمت بهذا المشروع السيناتور الديمقراطي هيلاري كلينتون وزميلتها الجمهورية "كاي بيلي هوتشون" وقالت الأخيرة: "إن نظام عدم الاختلاط موجود في المدارس الخاصة منذ عدة سنوات وحان الوقت لتعميم هذا النظام على المدارس الحكومية العامة".
ولعل في هذا ردا على الكاتب المدعو والذي نثرت شيئاً من هرائه قبل سطور، والذي يدَّعي أنَّ المجتمع المنغلق يكون فيه الفساد الأخلاقي أكثر من المجتمع الإباحي والمنفتح، وأنَّ المجتمع المختلط لا يكون فيه شيء من الفساد الأخلاقي، بل إنَّه على لغته النزقة يقول أنَّ هذا الاختلاط يسبِّبُ تهذيب الأخلاق، وكذب، ولكنَّه كما قال تعالى: ( فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
المختلطة وغير المختلطة
لقد جاءت اعترافات من قِبَلِ المجتمع الغربي تؤكد فيه على ضمان المنهج الإسلامي لمحاولات التحرش الجنسي بسبب الاختلاط، وفي هذا المجال تقول "راشيل بريتشرد" والتي كانت غير مسلمة ثم أسلمت لما رأته في دين الإسلام من سمو العقيدة وحماية الأعراض: "التعليم المختلط يشجع على العلاقات بين الأولاد والبنات، وإذا أُحصي عدد المراهقات الحوامل من مدارس مختلطة ومن مدارس بدون اختلاط (خصوصاً المدارس الإسلامية) لوجدنا في الغالب أن النسبة في المدارس المختلطة تكون 57% على الأقل مقارنة بالمدارس التي تطبق الفصل بين الجنسين بنسبة لعلها تقترب من 5% (في حين ستجد أن النسبة في المدارس الإسلامية هي الصفر)، كما أنني أعتقد أن اختلاط الجنسين يؤدي إلى عدم تركيزهم من الناحية الدراسية؛ لأن اهـتمامهم سيكون موجهاً للجنس الآخر"(ندوة بعنوان "واقع المرأة في الغرب)، هذا ما قاله من عرفهم، وصدقتهم إحصائياتهم (فاعتبروا يا أولي الأبصار) [الحشر:2].
وهنالك دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أكدت فيها أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحاً وأعمارهن أقل من ستة عشر عاماً، كما أثبتت الدراسة تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة، وفي أمريكا بلغت نسبة التلميذات الحوامل سفاحاً (48%) من تلميذات إحدى المدارس الثانوية.
وإلى كتاب فرنسى حديث بعنوان: «مصائد المدارس المختلطة» نشرتها صحيفة لاكسبريس الفرنسية أعلن عالم الاجتماع الفرنسي ميشال فيز - الباحث بالمركز القومي للدراسات الاجتماعية بفرنسا - أن الاختلاط في المدارس الأوروبية لا يدعم المساواة بين الجنسين، ولا المساواة في الفرص.
وقد صدق الإمام ابن القيم - رحمه الله – القائل في كتابه الطرق الحكمية: ( ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة)(ص407).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: خباب الحمد
http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=164001