في ضوء القرآن الكريم 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا في ضوء القرآن الكريم 829894
ادارة المنتدي في ضوء القرآن الكريم 103798



في ضوء القرآن الكريم 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا في ضوء القرآن الكريم 829894
ادارة المنتدي في ضوء القرآن الكريم 103798



هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 في ضوء القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جمال عبدالحي
Admin
Admin
جمال عبدالحي


عدد المساهمات : 5200
النقط اللى حصلت عليها فى منتدى بحبك يا : 6222
تاريخ التسجيل : 04/10/2010
العمر : 30

بطاقة الشخصية
لعبه: كابتن جمي
ســــوره:
في ضوء القرآن الكريم Left_bar_bleue0/0في ضوء القرآن الكريم Empty_bar_bleue  (0/0)

في ضوء القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: في ضوء القرآن الكريم   في ضوء القرآن الكريم Icon_minitime12/08/11, 10:16 pm

1- القران: أسماؤه وعلومه ومقاصده

القرآن الكريم: هو كلام الله ـ تعالى ـ المنزل على نبيه محمد ـ صلى الله
عليه وسلم، المتعبد بتلاوته، المعجز بأقصر سورة منه.
ولفظ "القرآن" في الأصل كالقراءة، مصدر قرأ قراءة وقرآنا، قال تعالى ـ:
[{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ "16" إِنَّ عَلَيْنَا
جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ "17" فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ "18"
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } (سورة القيامة: الآيات من 16 ـ 19)]
أي: لا تتعجل ـ أيها الرسول الكريم ـ بقراءة القرآن الكريم عندما تسمعه من
أمين وحينا جبريل ـ عليه السلام ـ، بل تريث وتمهل حتى ينتهي من قراءته، ثم
اقرأ من بعده، فإننا قد تكفلنا بجمعه في صدرك، وبقراءته عليك عن طريق
وحينا.
ومادام الأمر كذلك: فمتى قرأ عليك جبريل القرآن فاتبع قراءته ولا تسبقه
بها، ثم إن علينا بعد ذلك بيان ما خفي عليك منه، وتوضيح ما خفي عليك من
معانيه.
فلفظ قرآن في هذه الآيات بمعنى القراءة، التي هي ضم الحروف والكلمات بعضها
إلى بعض في الترتيل.
وهو مصدر على وزن "فعلان" كالغفران والشكران، تقول: قرأ فلان الشيء قراءة
وقرآنا بمعنى واحد.
وقد خص القرآن، بمعنى الكلام المقروء ـ بالكتاب المنزل على محمد ـ صلى الله
عليه وسلم ـ، فصار كالعلم الشخصي له.
ويطلق هذا اللفظ على جميع سور القرآن الكريم وآياته، كما يطلق على كل آية
وسورة منه، فإذا سمعت من يتلو آية أو سورة منه، صح لك أن تقول سمعت قرآنا،
أو قرأت قرآنا ..
قال تعالى ـ:
[{وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ ـ أي بعضه ـ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ
وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (سورة الأعراف: الآية:204)]
وللقرآن الكريم أسماء كثيرة منها:
لفظ "القرآن": كما في قوله تعالى ـ:
[{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } (سورة
الإسراء: الآية 9)]
ولفظ "الكتاب" كما في قوله ـ سبحانه ـ:
[{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ } (سورة إبراهيم: الآية 1)]
ولفظ "الفرقان" كما في قوله ـ عز وجل ـ:
[{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ .. } (سورة
الفرقان: الآية 1)]
ولفظ "الذكر" كما في قوله ـ تعالى ـ:
[{وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }
(سورة الأنبياء: الآية: 50)]
ولفظ "التنزيل" كما في قوله ـ سبحانه:
[{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (سورة الشعراء: الآية 192)]
كذلك للقرآن الكريم أوصاف كثيرة، منها: وصفه بأنه "نور". قال تعالى:
[{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا } (سورة النساء: الآية 174)]
ووصفه بأنه "هدى" و"شفاء" و"رحمة" و"موعظة"، نرى ذلك واضحا في قوله تعالى:
[{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ
وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }
(سورة يونس: الآية 57)]
ووصفه بأنه "مجيد" قال تعالى:
[{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ "21" فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ "22"} (سورة
البروج: الآية 21،22)]
ووصفه بأنه "مبارك". كما في قوله عز وجل:
[{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ
يَدَيْهِ } (سورة الأنعام: الآية 92)]
ووصفه بأنه "مبين"، قال تعالى:
[{قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } (سورة المائدة:
الآية 15)]
إلى غير ذلك من الصفات الجليلة، والنعوت السامية التي وصف الله تعالى بها
هذا القرآن.
أما لفظ "علوم القرآن"، فالمقصود به: العلوم التي تخدم القرآن الكريم، من
حيث معرفة أول ما نزل منه وآخر ما نزل، ومن حيث معرفة ما نزل منه قبل
الهجرة وما نزل منه بعد الهجرة، ومن حيث معرفة أسباب نزول بعض آياته، ومن
حيث معرفة جمعه وترتيبه وعدد آياته، وسوره، ومحكمه ومتشابهه وناسخه
ومنسوخه، وإعجازه، وأمثاله، وأقسامه، وجدله، وقصصه، وتفسيره .. إلى غير ذلك
من العلوم التي تتعلق بالقرآن الكريم.
وقد ألف كثير من العلماء ـ قديما وحديثا ـ مباحث متعددة في علوم القرآن،
فمن العلماء القدامى الذين ألفوا في علوم القرآن: الإمام بدر الدين
الزركشي، المتوفى سنة 794 هـ، وقد سماه: "البرهان في علوم القرآن"، وقد تم
طبعه في أربعة مجلدات، وتنازل فيه الإمام الزركشي كثيرا من مسائل علوم
القرآن.
ومنهم الإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ، وكتابه "الإتقان في
علوم القرآن" يعد على رأس المؤلفات الجامعة التي ألفت في هذا الفن.
ومن العلماء المحدثين الذين ألفوا في علوم القرآن الشيخ محمد عبد العظيم
الزرقاني ـ رحمه الله ـ فقد كتب كتابا جامعا في هذا الفن بعنوان: "مناهل
العرفان في علوم القرآن: وقد كتبه فضيلته بعبارة أدبيه بليغة، وبأسلوب علمي
محرر، فرحمة الله عليه رحمة واسعة.
أما المقاصد التي من أجلها أنزل الله تعالى ـ القرآن الكريم على قلب نبيه ـ
صلى الله عليه وسلم ـ فهي مقاصد سامية، ولأهداف عالية، ولغايات نبيلة من
أهمها ما يأتي:
أن يكون هداية للناس ـ بل للإنس والجن ـ في كل زمان ومكان .. ومن الآيات
القرآنية التي وصف الله تعالى بها كتابه، بأنه هداية للناس إلى ما يسعدهم
في حياتهم وبعد مماتهم، قوله تعالى:
[{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } (سورة
البقرة: الآية 2)]
أي: ذلك الكتاب وهو القرآن الكريم، ليس محلا لأن يرتاب عاقل في كونه من عند
الله تعالى، وقد أنزله سبحانه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليكون
هداية وإرشادا للمتقين، الذين يجتنبون كل مكروه من قول أو فعل.
والمراد بكونه هداية للمتقين، مع أنه هداية لهم ولغيرهم، لأنهم هم
المنتفعون به دون سواهم، كما قال سبحانه:
[{قُلْ هُوَ ـ أي: القرآن ـ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى
أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } (سورة فصلت: الآية 44)]
ومن الآيات القرآنية التي وصفت القرآن بأنه هداية للجن أيضا قوله تعالى:
[{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا
إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا "1" يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا
بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا "2"} (سورة الجن: الآية 1،2)]
وإنما كانت هداية القرآن الكريم للإنس والجن، لأن الرسول الذي نزل عليه هذا
القرآن، هو محمد صلى الله عليه وسلم كانت رسالته إلى الثقلين، ويشهد لذلك
قوله تعالى:
[{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (سورة الأنبياء:
الآية 107)]

أي: وما أرسلناك أيها الرسول الكريم بهذا الدين الحنيف، وهو دين الإسلام،
إلا من أجل أن تكون رحمة للعالمين من الإنس والجن.
وذلك لأننا قد أرسلناك بما يسعدهم في حياتهم وبعد مماتهم متى اتبعوك،
واستجابوا لما كلفتهم به، وأطاعوك فيما تأمرهم به أو تنهاهم عنه.
وفي الحديث الشريف:
<إنما أنا رحمة مهداه>
فرسالته صلى الله عليه وسلم رحمة في ذاتها، ولكن هذه الرحمة انتفع بها من
استجاب لدعوتها، أما من أعرض عنها فهو الذي ضيع على نفسه فرصة الانتفاع.
قال صاحب الكشاف: أرسل الله رسوله رحمة للعالمين، لأنه جاءهم بما يسعدهم أن
اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فإنما جني على نفسه، ومثاله: أن يفجر الله عينا
عذبة، فينتفع بها العقلاء، ولا ينتفع بها الجهلاء.." (تفسير الكشاف بتصرف:
ص3 ص138)
وتمتاز هداية القرآن إلى جانب عمومها، بكمالها ويسرها.
أما كمالها فتراه في أحاكمها وتشريعاتها آدابها، التي انتظمت كل ما يحتاج
إليه الناس في عقائدهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم، وسلوكهم .. وصدق الله إذ
يقول:
[{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا .. } (سورة المائدة: الآية
3)]
وأما يسرها فحدث عنه ولا حرج، فهي لم تكلف الناس إلا بما هو في مقدورهم
وطاقتهم، والآيات القرآنية التي وضحت هذا المعنى وقررته كثيرة، منها قوله
تعالى:
[{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا .. } (سورة البقرة: الآية
286)]
وقوله سبحانه:
[{يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (سورة
البقرة: الآية 185)]
وقوله عز وجل:
[{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .. } (سورة الحج:
الآية 78)]
وقوله تعالى:
[{يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا }
(سورة النساء: الآية 28)]
أما المقصد الثاني الذي من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم، فهو أن
يكون معجزة خالدة باقية، دالة دلالة قاطعة على صدق النبي صلى الله عليه
وسلم فيما يبلغه عن ربه. فقد جاء رسول الله عليه السلام إلى الناس وقال
لهم: أني رسول الله إليكم جميعا، والدليل على صدقي أن الله تعالى قد أنزل
علي هذا القرآن ليكون معجزة لي، فإن كنتم في شك من أمري، فهاتوا وأنتم
أرباب البلاغة والفصاحة مثله، فعجزوا وانقلبوا صاغرين!!
قال تعالى:
[{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ } (سورة الطور:
الآية 34)]
ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثل سورة القرآن، فما استطاعوا قال تعالى:
[{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ
مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ } (سورة هود: الآية 13)]
أي: أيقول لك أيها الرسول الكريم هؤلاء المشركون، أنك افتريت هذا القرآن،
واخترعته من عند نفسك، قل لهم على سبيل التوبيخ والتحدي: أن كان الأمر كما
تزعمون، فأنا واحد منكم، وبشر مثلكم، فهاتوا أنتم عشر سور من عند أنفسكم،
تشبه هذا القرآن في حسن نظمه، وبلاغة أسلوبه، وادعوا لمعاونتكم في ذلك من
شئتم من أعوانكم، أن كنتم صادقين في زعمكم أني قد افتريت هذا القرآن، ولم
آت به من عند الله عز وجل ..
ثم أرخى لهم الزمام أكثر وأكثر، فطلب منهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثل سور
القرآن التي تبلغ أربع عشرة سورة فوق المائة.
قال تعالى:
[{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ
وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
(سورة يونس: الآية 38)]
أي: أن هؤلاء الكافرين قد قالوا لك يا محمد أنك قد افتريت هذا القرآن،
وألفته من عند نفسك، وليس هو من عند الله تعالى.
قل لهم على سبيل التبكيت والتعجيز: أن كان الأمر كما زعمتم، من أني أنا
الذي ألفت هذا القرآن، فأتوا أنتم يا بلغاء العرب بسورة واحدة مثل سور
القرآن، في الهداية والبلاغة وقوة التأثير، وقد أبحت لكم أن تستعينوا بكل
من هو على شاكلتكم في الكفر والضلال، أن كنتم صادقين في دعواكم أن هذا
القرآن ليس من عند الله تعالى.
وشبيه بهذه الآية الكريمة في التحدي قوله تعالى:
[{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ
بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ "23" فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ
فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } (سورة البقرة: الآيتان 23، 24)]
والمعنى: أن ارتبتم ـ أيها المشركون ـ في شأن هذا القرآن الذي أنزلناه على
عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فأتوا أنتم بسورة من مثل هذا القرآن في سمو
الرتبة، وعلو الطبقة، واستعينوا على ذلك بآلهتكم، وبكل من تتوقعون منه
العون، ليساعدكم في مهمتكم، أو ليشهدوا لكم أنكم أتيتم بسورة تماثل سورة من
القرآن.
وإن كنتم صادقين في مزاعمكم فأنا أتحداكم أن تأتوا بسورة من مثله .. وفي
هذه الآية الكريمة إثارة لحماستهم، إذ عرض سبحانه بعدم صدقهم، فتتوفر
دواعيهم على المعارضة التي زعموا أنهم أهل لها.
ثم يبين سبحانه أنهم لن يستطيعوا ذلك فقال: فإن لم تفعلوا، أي فإن لم
تستطيعوا الإتيان بسورة من مثل القرآن، ولن تستطيعوا ذلك مطلقا، فاتركوا
العناد، وآمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم واتقوا النار التي ستدخلونها
بسبب إصراركم على كفركم، تلك النار التي أعدها الله تعالى لكل من أعرض عن
دعوة الحق.
وفي هذه الآية الكريمة معجزة من نوع الإخبار بالغيب، إذ لم تقع المعارضة
ولا الإتيان بسورة من مثل سور القرآن لا من المعاصرين للنبي صلى الله عليه
وسلم، ولا من غيرهم ممن أتى بعدهم إلى يومنا هذا.
قال صاحب كتاب الكشاف رحمه الله: فإن قلت: من أين لك إنه إخبار بالغيب على
ما هو عليه حتى يكون معجزة؟
قلت: لأنهم لو عارضوه بشيء، لم يمتنع أن يتواصفه الناس، ويتناقلوه، إذ خفاء
مثله فيما عليه مبنى العادة محال، لاسيما والطاعنون فيه ـ أي: في القرآن ـ
أكثف عددا من الذابين عنه، فحين لم ينقل علم أنه إخبار بالغيب على ما هو
به، فكان معجزة" (تفسير الكشاف: ص1 ص102)
أما المقصد الثالث الذي من أجله أنزل الله تعالى هذا القرآن، فهو أن يتقرب
الناس إليه سبحانه بتلاوته، وبالاستماع إليه، وبتدبير معانيه. ولقد جاءت
الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، بالبشارات المتعددة للذين يقرأون
القرآن الكريم، أو يستمعون إليه بخشوع وتأمل.
أما الآيات القرآنية فمنها قوله تعالى:
[{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ
تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } (سورة فاطر: الآية 29)]
ومنها قوله عز وجل:
[{وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (سورة الأعراف: الآية 204)]
وأما الأحاديث النبوية التي وردت في فضل قراءة القرآن، وفي عظم ثواب من
يفعل ذلك فهي كثيرة، ومنها:
<ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي إمامة ـ رضي الله عنه ـ قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم
القيامة شفيعا لأصحابه">
<وأخرجه البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه">
<وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به ـ أي: مجيد لتلاوته ـ مع السفرة
الكرام البررة ـ أي: مع الملائكة المقربين في الدرجة ـ، والذي يقرأ القرآن
ويتتعتع فيه ـ أي: ويتردد في قراءته ـ وهو عليه شاق، له أجران عند
الله">
<وأخرجه الإمام الترمذي في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ حرفا من كتاب الله، فله حسنة، والحسنة
بعشر أمثالها. لا أقول: ألم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف">
هذه أهم المقاصد والأغراض التي من أجلها أنزل الله القرآن الكريم، وهناك
مقاصد أخرى لا مجال لذكرها هنا، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.


عدل سابقا من قبل جمال عبدالحي في 12/08/11, 10:18 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://    www.b7bkya.ahlamontada.com
جمال عبدالحي
Admin
Admin
جمال عبدالحي


عدد المساهمات : 5200
النقط اللى حصلت عليها فى منتدى بحبك يا : 6222
تاريخ التسجيل : 04/10/2010
العمر : 30

بطاقة الشخصية
لعبه: كابتن جمي
ســــوره:
في ضوء القرآن الكريم Left_bar_bleue0/0في ضوء القرآن الكريم Empty_bar_bleue  (0/0)

في ضوء القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: في ضوء القرآن الكريم   في ضوء القرآن الكريم Icon_minitime12/08/11, 10:17 pm





2- وماذا عن الحديث القدسي والحديث النبوي؟

سبق أن قلنا في تعريف القرآن الكريم: أنه كلام الله تعالى المنزل على قلب
نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته، المعجز بأقصر سورة منه.
أما الحديث القدسي: فهو ما يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى
من أقوال .. مثال ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي،
وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وأن ذكرني في ملأ
ذكرته في ملأ خير من ملئه ..".
وأما الحديث النبوي: فهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو
فعل، أو تقرير، أو صفة. فالقول:
<كقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما
نوى ..">
<وكقوله صلى الله عليه وسلم: "أن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور
متشابهات ..">
والفعل: كتعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه كيفية الصلاة، وكيفية الحج،
<فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي">
<وقال: "خذوا عني مناسككم">
والإقرار: كإقراره صلى الله عليه وسلم لما فعله بعض أصحابه من قول أو فعل،
سواء أكان ذلك في حضرته صلى الله عليه وسلم، أم في غيبته ثم بلغه ذلك.
ومن أمثلة هذا اللون من الإقرار:
<ما ثبت من أن بعض الصحابة أكل ضبا بحضرته صلى الله عليه وسلم فلم يعترض
على ذلك، وعندما سئل صلى الله عليه وسلم لماذا لم يأكل منه؟ قال: "أنه ليس
من طعام أهلي فأراني أعافه">
<وما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ
لأصحابه في صلاته وهو إمام بهم، فيختتم قراءته بسورة "قل هو الله أحد" فلما
رجع السرية ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: سلوه لماذا كان
يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن اقرأ بها. فقال صلى
الله عليه وسلم: فأخبروه بأن الله تعالى يحبه>
والصفة: كوصف السيدة عائشة له صلى الله عليه وسلم بأنه كان خلقه القرآن
وكوصف أصحابه له صلى الله عليه وسلم بأنه كان دائم البشر، سهل الخلق، لين
الجانب، إلى غير ذلك من صفاته الخلقية والخلُقية صلى الله عليه وسلم.
وتتفق هذه الألفاظ الثلاثة القرآن ـ الحديث القدسي ـ الحديث النبوي في أنها
من حيث المعنى من عند الله تعالى، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا
ينطق بقول يتعلق بالعقائد أو العبادات أو المعاملات أو السلوك .. إلا بوحي
أو إلهام من الله تعالى.
قال سبحانه:
[{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى "1" مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى "2"
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى "3" إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }]
أي: وحق النجم الذي تروه بأعينكم أيها الناس عند غروبه وأفوله .. أن محمد
صلى الله عليه وسلم الذي أرسلناه إليكم شاهدا ومبشرا ونذيرا، ما ضل عن طريق
الحق في أقواله أو أفعاله، وما كان رأيه مجانبا للصواب في أمر من الأمور،
وما ينطق بنطق صادر عن هوى نفسه ورأيه، وإنما ينطق بالحق والصواب الذي
نوحيه إليه، من قرآن كريم، أو نلهمه إياه م نقول سديد، وتوجيه حكيم.
قال الإمام ابن كثير: قوله: "وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحي" أي:
إنما يقول ما أمر بتبليغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان".
<فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش عن ذلك وقالوا: أنك
تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله
عليه وسلم بشر بتكلم في الغضب. فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك له فقال: "اكتب
فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق">
<وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا
أقول إلا الحق" فقال بعض أصحابه: "فإنك تداعبنا يا رسول الله. فقال: أني لا
أقول إلا حقا> (تفسير ابن كثير ص4 و247)
وهناك فروق بين القرآن وبين الحديث القدسي والنبوي من أهمها:
أ. أن القرآن ألفاظه ومعانيه من عند الله تعالى فهو وحي باللفظ والمعنى
بخلاف الحديث القدسي، فألفاظه على الراجح من عند الرسول صلى الله عليه
وسلم، أما الحديث النبوي فألفاظه من عند الرسول صلى الله عليه وسلم اتفاقا.
ب. أن القرآن لا تجوز روايته بالمعنى، بخلاف الحديث القدسي والحديث النبوي
فتجوز روايتهما بالمعنى.
جـ. أن القرآن هو الذي ثبت به التحدي والإعجاز، أما الحديث القدسي والنبوي
فلم يقع بهما شيء من ذلك.
د. أن القرآن منقول جميعه بالتواتر، فهو قطعي الثبوت، أما الأحاديث القدسية
والنبوية، فمنها المتواتر، ومنها الصحيح، ومنها الحسن، ومنها الضعيف.
هـ. أن القرآن هو المتعبد بتلاوته، بمعنى أن الصلاة لا تصح إلا بقراءة شيء
منه، بخلاف الأحاديث القدسية والنبوية فلا يقرأ شيء منهما في الصلاة .. إلى
غير ذلك من الفروق التي ما ذكرناه هو أهمها.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://    www.b7bkya.ahlamontada.com
جمال عبدالحي
Admin
Admin
جمال عبدالحي


عدد المساهمات : 5200
النقط اللى حصلت عليها فى منتدى بحبك يا : 6222
تاريخ التسجيل : 04/10/2010
العمر : 30

بطاقة الشخصية
لعبه: كابتن جمي
ســــوره:
في ضوء القرآن الكريم Left_bar_bleue0/0في ضوء القرآن الكريم Empty_bar_bleue  (0/0)

في ضوء القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: في ضوء القرآن الكريم   في ضوء القرآن الكريم Icon_minitime12/08/11, 10:18 pm

- أول وآخر ما نزل من القرآن

معرفة أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن من المسائل التي مدار البحث فيها
على الرواية والنقل الصحيح عن الصحابة، ولا مجال للعقل فيها إلا بمقدار
الجمع بين الروايات، أو الترجيح بينها.
والرأي الصحيح الذي عليه المحققون من العلماء: أن أول ما نزل من قرآن على
الإطلاق على النبي صلى الله عليه وسلم هو صدر سورة العلق.
فقد أخرج الشيخان وغيرهما، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ
به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: الرؤيا الصادقة في النوم، فكان
لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح أي: ضياء النهار ـ ثم حبب إليه الخلاء
أي: الخروج إلى الصحراء ـ فكان يأتي غار حراء فيتحنث أي: فيتعبد ـ فيه
الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك ثم يرجع لخديجة رضي الله عنها فيتزود
لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء. فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما أنا بقارئ .. فأخني فغطني ـ أي:
ضمني ـ حتى بلغ مني الجهد ـ أي التعب ـ، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما
أنا بقارئ. فغطني الثانية حتى بلغ من الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما
أنا بقارئ. فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد. ثم أرسلني فقال: "اقرأ باسم
ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم. علم
الإنسان ما لم يعلم".
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم "ترجف بوادره .." إلى آخر الحديث.
فهذا الحديث الصحيح، يدل دلالة واضحة، على أن أول ما نزل من قرآن على
الإطلاق على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ هو صدر سورة اقرأ ..
وقد ذكر الإمام السيوطي في كتابه "الإتقان" بعض الأحاديث التي تؤيد ذلك،
ومنها ما أخرجه الطبراني عن أبي رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى الأشعري
رضي الله عنه يقرئنا، فيجلسنا حلقا وعليه ثوبان أبيضان، فإذا تلا هذه
السورة "اقرأ باسم ربك الذي خلق" قال: هذه أول سورة نزلت على محمد صلى الله
عليه وسلم.
ومن العلماء من يرى أن أول ما نزل من قرآن على الإطلاق هو سورة "المدثر".
وحمل المحققون من العلماء هذا القول على أنه أول ما نزل بعد فترة الوحي، أو
أول ما نزل كسورة كاملة، وبذلك لا يكون هناك تعارض بين القولين.
أما آخر ا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن على الإطلاق فهو قوله
تعالى:
[{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى
كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } (سورة البقرة: الآية
281)]
فقد أخرج النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: آخر ما نزل من
القرآن كله، قوله تعالى: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله .. الآية". وعاش
النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال.
وهذا الرأي هو أقرب الأقوال إلى الصواب، لأن الآية الكريمة تحمل في طياتها
الإشارة إلى ختام الوحي والدين، بسبب ما تحث عليه من الاستعداد ليوم
القيامة، وما تنوه به من الرجوع إلى الله تعالى، ولأن ابن عباس رضي لله
عنهما قد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاش بعد نزولها عليه تسع
ليالي فقط.
وقد يقال: أن بعض الناس يظن أن آخر ما نزل من قرآن على الإطلاق، هو قوله
تعالى:
[{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ..} (سورة المائدة: الآية
3)]
والجواب أن هذه الآية الكريمة قد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع من السنة العاشرة بعد الهجرة. أي: قبل وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم بأكثر من شهري، أما آية: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله .." فكان
نزولها قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال فقط، كما جاء عن ابن
عباس رضي الله عنهما.
فإن قيل: فما المراد بإكمال الدين، وإتمام النعمة في قوله سبحانه: "اليوم
أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي .."؟
فالجواب: أن المراد بذلك: إنجاح الدين وإقراره وإظهاره وإتمام تشريعاته
وأحكامه وآدابه، وبسط سلطانه على الجزيرة العربية كلها، وتمكن المسلمين من
أداء مناسك الحج والطواف بالمسجد الحرام، دون أن يشاركهم في ذلك غيرهم من
المشركين.
قال الإمام القرطبي: وقد روي الأئمة عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من
اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال له: يا أمير المؤمنين: آية في كتابكم
تقرؤونها لو علينا نزلت معشر اليهود، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا .. فقال عمر:
أية آية تعني؟ فقال: قوله تعالى:
[{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ..} (سورة المائدة: الآية 3)]
فقال عمر: أني لأعلم اليوم الذي أنزلت فيه، والمكان الذي أنزلت فيه نزلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة في يوم الجمعة، يوم الحج الأكبر من
السنة العاشرة بعد الهجرة (تفسير القرطبي جـ6 ص61)
والخلاصة: أن الرأي الصحيح الذي تطمئن إليه النفس، هو أن أول ما نزل على
الإطلاق من قرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، هو قوله تعالى:
[{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ "1" خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ
عَلَقٍ "2" اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ "3" الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ
"4" عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }]
وأن آخر ما نزل من قرآن على الإطلاق على النبي صلى الله عليه وسلم، هو قوله
تعالى:
[{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى
كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }]
أما أول ما نزل وآخر ما نزل في موضوعات معينة، فقد تكلم العلماء عنها بشيء
من التفصيل، ومن ذلك أنهم قالوا:
أول ما نزل في النهي عن التعامل بالربا قوله تعالى:
[{وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا
يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ
اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } (سورة الروم: الآية 39)]
وآخر ما نزل في تحريم الربا الآيات التي في أواخر سورة البقرة، وهي قوله
تعالى:
[{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ
وَحَرَّمَ الرِّبَا } (سورة البقرة: الآية 275)]
وأول ما نزل في الخمر قوله تعالى:
[{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ
كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا
..} (سورة البقرة: الآية 219)]
وآخر ما نزل في شأن تحريم الخمر قوله تعالى:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "90" إِنَّمَا يُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ
الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } (سورة المائدة: الآيتان 90، 91)]
إلى غير ذلك مما ذكروه في شأن أول ما نزل وآخر ما نزل في أمور معينة.
ولمعرفة ذلك فوائد من أهمها
أ. بيان العناية التي حظي بها القرآن الكريم من الصحابة، فهم لم يكتفوا
بحفظ القرآن بل وعوا وعرفوا زمان ومكان نزول آياته.
ب. إدراك أسرار التشريع الإسلامي، وتدرجه في الأحكام التي شرعها للمسلمين،
وكيف أن آيات القرآن الكريم قد سلكت في ذلك أقوم السبل، وأحكم الطرق، وأبلغ
الأساليب، مما يشهد بأن هذا القرآن من عند الله، ولو كان من عند غير الله
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://    www.b7bkya.ahlamontada.com
جمال عبدالحي
Admin
Admin
جمال عبدالحي


عدد المساهمات : 5200
النقط اللى حصلت عليها فى منتدى بحبك يا : 6222
تاريخ التسجيل : 04/10/2010
العمر : 30

بطاقة الشخصية
لعبه: كابتن جمي
ســــوره:
في ضوء القرآن الكريم Left_bar_bleue0/0في ضوء القرآن الكريم Empty_bar_bleue  (0/0)

في ضوء القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: في ضوء القرآن الكريم   في ضوء القرآن الكريم Icon_minitime12/08/11, 10:19 pm

لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة؟

قلنا في المبحث السابق: أن أول ما نزل من قرآن على الإطلاق على النبي صلى
الله عليه وسلم: أول سورة العلق:
[{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ "1" خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ
عَلَقٍ "2" اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ "3" الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ
"4" عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }]
وكان ذلك قبيل أن يبلغ الأربعين من عمره صلى الله عليه وسلم، وقبيل تكليفه
بدعوة الناس إلى إخلاص العبادة لله الواحد القهار.
وأن آخر ما نزل من قرآن على الإطلاق عليه صلى الله عليه وسلم، هو قوله
تعالى:
[{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى
كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }]
وكان ذلك قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم بتسع ليال، كما جاء عن ابن عباس
رضي الله عنهما .. والمدة الزمنية بين أول ما نزل من قرآن، وآخر ما نزل،
تصل إلى ثلاث وعشرين سنة، وخلال تلك المدة الطويلة تتابع نزول القرآن على
النبي صلى الله عليه وسلم أي؛ أن القرآن لم ينزل عليه صلى الله عليه وسلم
دفعة واحدة، وإنما نزل مفرقا في تلك المدة الطويلة.
وقد قرر القرآن هذه الحقيقة، وأشار إلى الحكمة في نزول القرآن منجما، في
قوله تعالى:
[{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ
وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً } (سورة الإسراء: الآية 106)]
أي: لقد أنزلنا إليك أيها الرسول الكريم هذا القرآن مفصلا في أوامره
ونواهيه، وفي أحكامه وأمثاله .. ومنجما في نزوله، لكي تقرأه على الناس على
تؤدة وتمهل وتأن وحسن ترتيل، حتى يتيسر لهم حفظه بسهولة، وحتى يتمكنوا من
تطبيق تشريعاته وتوجيهاته تطبيقا عمليا دقيقا.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا قرئوننا القرآن، أنهم كانوا
يستقرئون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات، لم
يتركوها حتى يعلموا بما فيها، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.
وقوله سبحانه: "ونزلناه تنزيلا" أي: ونزلنا عليك هذا القرآن تنزيلا مفرقا
في مدة تصل إلى ثلاثة وعشرين سنة، على حسب ما تقتضيه حكمتنا، وعلى حسب
الحوادث والمصالح، وليس من أجل تيسير حفظه فحسب.
وفي سورة الفرقان آيتان كريمتان أشارتا أيضا إلى جانب من الحكم التي من
أجلها نزل القرآن منجما، وهي قوله تعالى:
[{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ
جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ
تَرْتِيلًا "32" وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ
وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } (الآيتان:32، 33 سورة الفرقان)]
أي: وقال الكافرون بالحق الذي جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم: هلا نزل
هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم جملة واحدة دون أن ينزل مفرقا كما
نراه ونسمعه؟
ولما كان قولهم هذا يدل على سوء أدبهم، لأنهم اقترحوا شيئا لا مدخل لهم
فيه، ولا علم عندهم بحكمته .. لما كان الأمر كذلك، فقد رد الله تعالى عليهم
بقوله:
[{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا }]
أي: أنزلناه كذلك مفرقا، وجعلنا بعضه ينزل إثر بعض، لنثبت به فؤادك،
ورتلناه ترتيلا بديعا، بأن قرأه عليك جبريل على تمهل وتؤدة.
فسر أيها الرسول الكريم في طريقك، ولا تلتفت إلى سفاهات المشركين، فأنهم لا
يأتونك بمثل هذا الكلام العجيب المتهافت، إلا جئناك في مقابلته بالجواب
الحق، الذي يزهق باطلهم، ويدحض شبهاتهم.
وقد ذكر العلماء حكما متعددة لنزول القرآن مفرقا من أهمها ما يأتي:
أ. تسليته صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أذى، فقد تعرض صلى الله عليه
وسلم منذ بعثته لألوان من الأذى الشديد، الذي تمثل في المساومة والمقاطعة
والتعنت والعدوان والترهيب ومحاولة قتله.
فكان القرآن ينزل عليه، ليهون عليه البلاء، وليرفع عن كأهله الحزن والعناء،
وليسليه عما لحق به من أعدائه من تطاول واستهزاء.
وهذه التسلية نراها تارة عن طريق قصص الأنبياء السابقين، وما أصابهم من
الجاهلين والجاحدين.
ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى، قوله تعالى:
[{وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ
فُؤَادَكَ .. } (سورة هود: الآية 120)]
أي: وكل نبأ من أنباء الرسل الكرام السابقين، نقص عليك أيها الرسول الكريم
وعلى أصحابك ونخبرك به، فالمقصود به تثبيت قلبك، وتقوية يقينك، وتسلية نفسك
ونفوس أصحابك عما لحقكم من أذى في سبيل تبليغ دعوة الحق إلى الناس، وجاءك
أيها الرسول الكريم في هذه السورة وفي غيرها من سور القرآن، ما فيه الحق
الثابت، والعظات البليغة، والذكرى النافعة وتارة تأتي هذه التسلية عن طريق
بيان أن العاقبة له، وأن النصر في النهاية سيكون له ولأتباعه.
ومن الآيات التي قررت هذا المعنى قوله سبحانه:
[{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } (سورة غافر: الآية 51)]
ومرة ثالثة نرى هذه التسلية عن طريق دعوته إلى التأسي والاقتداء بمن سبقوه
من الرسل في الصبر وقوة التحمل.
ومن الآيات التي ذكرت ذلك قوله تعالى:
[{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا
تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ
يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا
الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } (سورة الأحقاف: الآية 35)]
وطورا نرى القرآن الكريم يغرس هذه التسلية في قلبه صلى الله عليه وسلم
ببيان أن أعداءه يعرفون صدقه كما يعرفون أبناءهم، إلا أن الجحود والحسد
والعناد هو الذي حملهم على عداوته ..
ومن الآيات التي أكدت هذا المعنى قوله عز وجل:
[{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ
يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ }
(سورة الأنعام: الآية 33)]
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: "يقول الله تعالى
مسليا رسوله في تكذيب قومه له، ومخالفتهم إياه، قد أحطنا علما بتكذيبهم لك،
وحزنك وتأسفك عليهم، واعلم يا محمد أنهم لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر،
ولكنهم يعاندون الحق، ويدفعونه بصدورهم، كما قال أحد أعدائك لك: أنا لا
نكذبك يا محمد ولكنا نكذب ما جئت به .." (تفسير ابن كثير: جـ2 ص130)
وفي معنى هذه الآية الكريمة جاءت آيات كثيرة منها قوله تعالى:
[{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ ـ أي: فعلك مهلك نفسك
هما وغما ـ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (سورة الكهف:
الآية 6)]
ومنها قوله سبحانه:
[{فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِمَا يَصْنَعُونَ } (سورة فاطر: الآية 8)]

ومرة خامسة نرى هذه التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم تأتيه عن طريق بيان
أن الله تعالى قد عصمه من مكر أعدائه، ومن مد أيديهم إليه بالقتل.
ومن ذلك قوله تعالى:
[{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ
وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ
مِنَ النَّاسِ .. }]
أي: يحميك من أن تمتد أيديهم إليك بالقتل.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي ساقت ما ساقت من تسلية للرسول صلى الله
عليه وسلم، ومن تثبيت لقلبه، ومن تبشير له بأن النصر سيكون له ولأتباعه.
ب. التدرج في تربية الأمة الإسلامية على ما يهديها إلى الصلاح والبر
والفلاح .. وهذا التدرج لم يكن فيما يتعلق بالعقائد والعبادات ومكارم
الأخلاق، لأن هذه الأمور لا تقبل التدرج، وقد حسم القرآن الحكم بشأنها منذ
نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
[{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ "1" لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ "2"
وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ "3" وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا
عَبَدتُّمْ "4" وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ "5" لَكُمْ
دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ "6"}]
وإنما كان هذا التدرج في الأمور التي تتعلق ببعض العادات والمعاملات، تسيرا
على الأمة.
ومن أمثلة التدرج في العادات: تعاطي الخمر، فقد جاءت شريعة الإسلام والناس
يشربون الخمر بكثرة، وانتشر ذلك بين غنيهم وفقيرهم، فكان من رحمة الله
بعباده أن تدرج معهم في تنفيرهم من تعاطي الخمر.
وقد ذكر المحققون من العلماء أن أول ما نزل في التنفير من تعاطي الخمر،
قوله تعالى:
[{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ
كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }
(سورة البقرة: الآية 219)]
أخرجه الإمام أبو داود في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
"اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا"، فنزلت هذه الآية.
فدعى عمر رضي الله عنه فقرئت عليه فقال: "اللهم بين لنا في الخمر بيانا
شافيا". فنزلت الآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ
سُكَارَى .. } (سورة النساء: الآية 43)]
فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة، نادى: لا يقربن
الصلاة سكران.
فدعي عمر فقرئت عليه فقال: : "اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا.."،
فنزلت آيات سورة المائدة، وهي قوله تعالى:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "90" إِنَّمَا يُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ
الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ "91"}]
فقال عمر: "انتهينا يا ربنا".
ومن أمثلة التدرج في المعاملات: النهي عن التعامل بالربا، ثم تحريمه تحريما
قاطعا، فقد كان أول ما نزل من التنفير في شأن التعامل بالربا، قوله تعالى
في سورة الروم:
[{وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا
يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ
اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } (سورة الروم: الآية 39)]
أي: وما تعاملتم به أيها الأغنياء من مال على سبيل الربا، فإنه لا يربو ولا
يزيد عند الله تعالى، أما الذي يربو ويزيد عنده تعالى فهو ما تبذلونه من
أموالكم على سبيل الصدقة والإحسان.
فهذه الآية الكريمة، وإن كانت لم تحدد عقوبة معينة لم يتعامل بالربا، فإنها
قد أشارت إلى أن التعامل بها لا ثواب له عند الله تعالى، وإنما الثواب
المضاعف عنده سبحانه لمن يقدمون جانبا من أموالهم لغيرهم على سبيل الصدقة
الخالصة لوجه الله تعالى.
ثم نزلت آية أخرى كانت أشد في التنفير بالنسبة للتعامل بالربا، وهي قوله
تعالى:
[{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ
أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا "160"
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ
النَّاسِ بِالْبَاطِلِ .. } (سورة النساء: 160، 161)]
فقد بين سبحانه هنا، أن على رأس الأسباب التي أدت إلى غضب الله على اليهود:
تعاملهم بالربا مع أنه تعالى قد نهاهم عن ذلك.
ثم جاءت سورة آل عمران، فنفرت من الربا تنفيرا يفوق ما جاء في السورتين
السابقتين، إذ نادى الله المؤمنين بقوله:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا
مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (الآية 130
سورة آل عمران)]
أي: يا من آمنتم بالله تعالى إيمانا حقا، لا يجوز لكم أن تتعاملوا بالربا،
بتلك الصورة البشعة التي هي واقعة بينكم، والتي فيها يأخذ المرابي من
المدين أضعاف رأس ماله.
والتقييد بقوله سبحانه: "أضعافا مضاعفة": ليس المقصود منه النهي عن أكل
الربا في حال المضاعفة خاصة، وإباحته في غيرها، فالربا قليلة وكثيرة حرام،
وإنما المقصود منه توبيخهم على ما كان متفشيا فيهم، وهو التعامل بالربا
بتلك الصورة البشعة التي تدل على الأنانية وقسوة القلب.
أي: أن التقييد بالأضعاف المضاعفة ليس للتخصيص والاحتراز عما عداه، وإنما
هو لمراعاة الواقع والغالب فيهم، وتقبيحه والتنفير منه.
ثم نزلت بعد ذلك ست آيات في أواخر سورة البقرة وكانت هذه الآيات من أواخر
ما نزل من القرآن، فحسمت مسألة التعامل بالربا حسما قاطعا، إذ حرمته تحريما
تاما إلى يوم القيامة، وشبهت الذين يتعاطونه بتشبيهات تفزع منها النفوس،
وأعلنت الحرب من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم على كل من
يتعاملون بالربا وهذه الآيات تبدأ بقوله تعالى:
[{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ
وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ
فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "275" يَمْحَقُ اللّهُ
الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ "276" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ
رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ "277" يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ
الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ "278" فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ
فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ
رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ "279" وَإِن
كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ
لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } (سورة البقرة: الأيات275: 280)]
وهناك أمثلة أخرى للتدرج في تربية الأمة يطول الحديث عنها.
جـ ـ كذلك من الحكم التي من أجلها نزل القرآن مفرقا: الإجابة على أسئلة
السائلين .. ولقد حكى القرآن الكريم كثيرا من الأسئلة التي وجهها السائلون
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن بالإجابة عليها.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:
[{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ
ذِكْرًا .. } (سورة الكهف: الآية 83 وما بعدها)]
وقوله سبحانه:
[{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا
أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } (سورة الإسراء: الآية 85)]

وقوله تعالى:
[{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ
اللَّهِ .. } (سورة الأحزاب: الآية 63)]
إلى غير ذلك من الآيات التي أجابت على أسئلة السائلين، التي وردت في أزمنة
وأمكنة مختلفة.
د ـ دفع التهم الباطلة عن أهل الحق، وتبرئة ساحتهم مما افتراه المفترون في
شأنهم. ولاشك أن هذه التهم قد جاءت في أوقات مختلفة، فنزل القرآن لبيان وجه
الحق فيها.
ومن الأمثلة على ذلك: حديث الإفك الذي افتراه المنافقون على السيدة عائشة
رضي الله عنها فنزلت بضع عشرة آية من سورة النور، ترد على هؤلاء المنافقين،
وتأمر المؤمنين بالتثبت في الأخبار، وتتوعد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة
في الذين آمنوا بسوء المصير في الدنيا والآخرة ..
وهذه الآيات تبدأ بقوله تعالى:
[{إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ
شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا
اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ
عَذَابٌ عَظِيمٌ } (سورة النور: الآية 11)]
هـ ـ بيان الحكم الحق العادل في قضايا ملتبسة، لا يعرف وجه الحق فيها إلا
الله تعالى، لأن معالمها غير واضحة، والبينة فيها خافية.
ومن أمثلة ذلك ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أن رجلا اسمه
"طعمة بن أبيرق" سرق شيئا معينا من جار له، اسمه "قتادة بن النعمان" ثم
وضعه عند رجل يهودي اسمه "زيد بن السمين"، وبعد أن بحث قتادة عن الشيء الذي
سرق منه وجده عند ذلك الرجل اليهودي، فاشتكاه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم، فلما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب سرقته لهذا المتاع، قال
اليهودي: أنا ما سرقت شيئا ولكن طعمة هو الذي وضعه عندي، فلما أحضر طعمة
أنكر ذلك، وجاء أقاربه معه يدافعون عنه، ويلصقون السرقة باليهودي!..
وإزاء هذه القضية التي التبست معالمها، ووجد الشيء المسروق عند اليهودي
الذي لا شهود عنده على براءته، كاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم على
اليهودي ..
ولكن القرآن الكريم أنزل الله تعالى فيه تسع آيات من سورة النساء، تحق الحق
وتبطل الباطل، وهي قوله تعالى:
[{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ
النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا "105"
وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا "106" وَلاَ
تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ
يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا "107" يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ
وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا
لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا
"108" هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ
عَلَيْهِمْ وَكِيلاً "109" } (الآيات من 105 ـ 109)]
و ـ إنشاء أحكام شرعية جديدة لم تكن موجودة من قبل، لأن المصلحة تقتضيها
رحمة من الله تعالى بعباده.
ومن أمثلة ذلك مشروعة الظهار الذي لم يكن موجودا قبل نزول قوله تعالى:
[{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا
وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ "1" الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن
نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا
اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ
وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ "2" .. } (سورة المجادلة:
الآيات من 1 ـ 2)]
وقد ذكر المفسرون في سبب نزولها أن السيدة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها
حدث بينها وبين زوجها نزاع فقال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم أراد أن يعاشرها
بعد ذلك معاشرة الأزواج، فامتنعت عنه، ثم ذهبت إلى النبي صلى الله عليه
وسلم لم ينزل في شأنك شيء وما أراك إلا طالقا ..
ولكن المرأة أخذت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم وتقول له: يا رسول الله،
أنه لم يتلفظ بالطلاق ..
<فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم عليها قوله: "لم ينزل في شأنك شيء وما
أراك إلا طالقا">
فلم تيأس المرأة النقية الطاهرة من رحمة الله تعالى، بل رفعت يديها إلى
السماء وهي في مجلسها بجانب النبي صلى الله عليه وسلم وأخذت تدعو الله
تعالى بقولها: "اللهم أنك تعلم أن زوجي شيخ كبير، وأنا امرأة عجوز، ولا غنى
له عني، ولا غنى لي عنه، وإن لي منه أولادا، أن تركتهم عنده ضاعوا، وأن
أخذتهم معي جاعوا، اللهم فرج كربتي، واحلل عقدتي .."
وقبل أن تقوم من مجلسها بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت هذه
الآيات على الرسول صلى الله عليه وسلم لتحل قضية هذه المرأة وأمثالها، عن
طريق بيان كفارة الظهار، وهو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي قاصدا
بذلك تحريم زوجته على نفسه، كتحريم أمه عليه.
ز ـ لفت المؤمنين إلى أخطائهم حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى، كما حدث بعضهم
في غزوة "أحد" فقد خالف الرماة ما وصاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم حيث
وصاهم بأن يبقوا في أماكنهم ولا يبارحوها لكي يحموا ظهور المسلمين، ولكنهم
بعد أن بدأت المعركة، ورأوا أن المشركين قد هزموا، تركوا أماكنهم، فانتهز
بعض المشركين هذه الفرصة، وأتوا إلى المسلمين من الخلف، فكان ما كان من
اختلال صفوف المسلمين.
ونزلت عشرات الآيات من سورة آل عمران، تحكي أحداث غزوة أحد، وتذكر بعض
المسلمين بأخطائهم، وتحذرهم من الوقوع فيها مرة أخرى .. ومن ذلك قوله
تعالى:
[{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا
قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "165" وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى
الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } (سورة آل
عمران الآيتان: 165 ـ 166)]
ومن أمثلة لفت المسلمين إلى أخطائهم أيضا حتى لا يعودوا إلى مثلها ما حدث
من حاطب بن أبي بلتعة، فقد أرسل كتابا إلى أهل مكة، يخبرهم فيه بأن الرسول
صلى الله عليه وسلم يعد العدة لغزوهم، وكان ذلك قبيل فتح مكة، ونزل الوحي
على الرسول صلى الله عليه وسلم ليخبره بذلك، فأرسل النبي صلى الله عليه
وسلم بعض أصحابه فاحضروا الكتاب من المرأة التي كانت في طريقها إلى مكة
والتي أرسلها حاطب لتلك المهمة.
ونزل قوله تعالى:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا
جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن
تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي
سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ
وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ
مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } (سورة الممتحنة: الآية 1)]
هذه بعض الحكم التي من أجلها نزل القرآن مفرقا في مدة تصل إلى ثلاث وعشرين
سنة. وكان نزوله بتلك الطريقة الحكيمة، دليلا قاطعا على أن هذا القرآن من
عند الله تعالى، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://    www.b7bkya.ahlamontada.com
جمال عبدالحي
Admin
Admin
جمال عبدالحي


عدد المساهمات : 5200
النقط اللى حصلت عليها فى منتدى بحبك يا : 6222
تاريخ التسجيل : 04/10/2010
العمر : 30

بطاقة الشخصية
لعبه: كابتن جمي
ســــوره:
في ضوء القرآن الكريم Left_bar_bleue0/0في ضوء القرآن الكريم Empty_bar_bleue  (0/0)

في ضوء القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: في ضوء القرآن الكريم   في ضوء القرآن الكريم Icon_minitime12/08/11, 10:20 pm

المكي والمدني من القرآن

القول الصحيح في تعريف المكي والمدني من القرآن الكريم. أن القرآن المكي ما
نزل قبل الهجرة ولو كان نزوله في غير مكة، وأن القرآن المدني ما نزل بعد
الهجرة ولو كان نزوله في غير المدينة.
فمثلاً: قوله تعالى:
[{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا .. }]
هذه الآية الكريمة كان نزولها في عرفة عام حجة الوداع، وقبل وفاة الرسول
صلى الله عليه وسلم بزهاء ثلاثة أشهر، ومع ذلك اعتبرها العلماء من الآيات
المدنية، لأن نزولها كان بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة
إلى المدينة المنورة.
وقوله تعالى:
[{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } (سورة
النساء: الآية 58)]
هذه الآية نزلت بمكة وفي جوف الكعبة عام الفتح، ومع ذلك فقد عدها العلماء
من الآيات المدنية، لأن نزولها كان بعد الهجرة.
وهذا القول كان هو الصحيح، لأنه ضابط حاصر، ومطرد غير مختلف، بخلاف قول من
قال بأن القرآن المكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة، أو قول من قال
بأن المكي ما بدئ بقوله تعالى: "يا أيها الناس" وأن المدني ما بدئ بقوله
تعالى: "يا أيها الذين آمنوا".
فإن هذين القولين غير مطردين، وغير حاصرين، وغير ضابطين .. فمثلا: هناك
آيات لم تنزل لا في مكة ولا في المدينة، كالآيات التي نزلت على الرسول صلى
الله عليه وسلم خلال سيره إلى غزوة تبوك لقتال الروم، ومنها قوله تعالى:
[{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن
بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ .. } (سورة التوبة: الآية 42)]
ومثلا: كثير من الآيات القرآنية لم تبدأ بقوله تعالى: "يا أيها الناس" ولا
بقوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا" وإنما بدئت بقوله سبحانه يا أيها
النبي أو "يا أيها الرسول" أو بغير ذلك. بل أن بعض الآيات التي بدئت بقوله
تعالى: "يا أيها الناس" مدنية، كما في قوله تعالى:
[{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (سورة البقرة: الآية
21)]
فهذه الآية مع بدئها بقوله تعالى "يا أيها الناس" مدنية، لأنها من سورة
البقرة، التي اتفق العلماء على أنها من السور المدنية الخالصة. وإذن فالرأي
الصحيح: أن القرآن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة،
بصرف النظر عن المكان أو عن المخاطب.
ومعرفة أن هذه السورة أو الآيات أو الآية مكية أو مدنية، لا مجال للوصول
إليه إلا عن طريق النقل الصحيح عن الصحابة رضي الله عنهم، لأنهم هم وحدهم
الذين عاصروا نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفوا ما نزل منه
قبل الهجرة، وما نزل منه بعد الهجرة، وما نزل منه في الحضر وما نزل منه في
السفر ..
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والله الذي لا إله غيره، ما نزلت
سورة من كتاب الله، إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا نزلت آية من كتاب الله إلا
وأنا أعلم فيما نزلت. ولو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل
لركبت إليه".
وللعلم بمعرفة ما هو مكي من القرآن وما هو مدني فوائد من أهمها:
أ. تمييز الناسخ من المنسوخ، فيما إذا وردت آيتان أو آيات من القرآن الكريم
في موضوع واحد، وكان الحكم في إحدى هاتين الآيتين أو الآيات للحكم في
غيرها، ثم عرف أن بعضها مكي وبعضها مدني، فإننا في هذه الحالة وأمثالها
نحكم بأن القرآن المدني منها ناسخ للمكي، لأن القرآن المدني متأخر في
النزول عن المكي، والمتأخر ينسخ المتقدم.
ب. ومن فوائده أيضا: معرفة التدرج في التشريع، وهذا يترتب عليه الإيمان
بسمو السياسة الإسلامية في تربية الأفراد والجماعات.
جـ. ومن فوائده كذلك: الاقتناع التام بعناية الصحابة بهذا القرآن الكريم،
حيث عرفوا مكيه من مدنيه، وبما بذلوه في ذلك من جهد كبير، دل على حبهم
للقرآن الكريم، وعلى اهتمامهم بكل ما يتعلق به من أحكام ومن أسباب نزول.

وقد ذكر العلماء ضوابط لمعرفة ما هو مكي وما هو مدني من القرآن، ومن ذلك
أنهم قالوا:
أ. كل سورة فيها لفظ "كلا" فهي مكية. وقد ذكر هذا اللفظ في القرآن ثلاثا
وثلاثين مرة. ويوجد هذا اللفظ في خمس عشرة سورة، كلها في النصف الثاني من
القرآن.
قالوا: ولعل الحكمة في ذلك: أن النصف الثاني من القرآن معظمه قد نزل قبل
الهجرة، وكان يخاطب قوما من الجبابرة المشركين، فكان من المناسب تهديدهم
وتبكيتهم بهذا اللفظ، وهو لفظ "كلا" الذي يدل على الزجر والردع.
ب. كل سورة اشتملت على آية فيها سجدة تلاوة فهي مكية، كسورة "النجم" وسورة
"العلق" وغيرهما.
جـ. كل سورة افتتحت بحروف التهجي، فهي مكية، كسور: الأعراف، ويونس، وهود،
ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر ..
ولم يستثن من ذلك سوى سورتي البقرة وآل عمران، فإنهما مدنيتان بالاتفاق.
د. كل سورة اشتملت على قصص الأنبياء مع أقوامهم، وعلى قصص غيرهم من الأمم
السابقة، فهي مكية، باستثناء سورة البقرة.
هـ. كل سورة تحدثت عن قصة آدم وإبليس فهي مكية، باستثناء سورة "البقرة"
أيضا ..

أما ضوابط السور المدنية فمن أهمها:
أ. كل سورة فصلت الحديث عن الحدود والعبادات فهي مدنية.
ب. كل سورة فصلت الحديث عن الجهاد ومشروعيته، وآدابه، وفضائله، وأحكامه،
فهي مدنية.
جـ. كل سورة فصلت الحديث عن المنافقين وأحوالهم ومكرهم، وأوصافهم، ومسالكهم
لكيد الدعوة الإسلامية فهي مدنية.

وهناك سمات إجمالية، وفروق كلية من حيث الموضوع، نراها في القرآن المكي
والمدني، من أهمها ما يأتي:
أن السور المكية في مجموعها نراها تتحدث بشيء من التفصيل والإسهاب، عن:
إقامة الأدلة المتعددة على وحدانية الله، وعلى أن هذا القرآن من عند الله،
وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن يوم
القيامة وما فيه من ثواب وعقاب حق لا ريب فيه ..
كما نرى أن السور المكية تهتم بإيراد شبه المشركين، ثم ترد عليها بما
يزهقها ويقطع دابرها. ولو أخذنا على سبيل المثال سورة الأنعام التي يغلب
على الظن أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة أي: أنها من السور
المكية التي كان نزولها مبكرا لرأينا أن هذه السورة قد تحدثت عن هذه
القضايا بشيء من التفصيل والإسهاب.

نراها تقيم الأدلة المتنوعة على وحدانية الله تعالى في آيات كثيرة، ومن ذلك
قوله تعالى:
[{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي
وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن
بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل
لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ
مِّمَّا تُشْرِكُونَ } (الآية 19 سورة الأنعام)]
نراها تقيم الأدلة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه في
عشرات الآيات، ومن ذلك قوله تعالى:
[{قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ
أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ }
(الآية 14 سورة الأنعام)]
وقوله سبحانه:
[{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ
الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا
يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ
تَتَفَكَّرُونَ} (الآية 50 سورة الأنعام)]
نراها تتحدث عن أن يوم القيامة آت لا ريب فيه في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله
تعالى:
[{قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ "15"
مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ
الْمُبِينُ "16" } (الآيتان: 15، 16 سورة الأنعام)]
وقوله عز وجل:
[{وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا
نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
"27" بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ
لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ "28"}
(الآيتان: 27، 28 سورة الأنعام)]
نراها تسوق لنا ألوانا من شبهات المشركين، ثم ترد عليها بما يدحضها، ومن
ذلك قوله سبحانه:
[{وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا
لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ "8" وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا
لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ "9" }
(الآيتان: 8، 9 سورة الأنعام)]
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، التي فصلت الحديث عن هذه القضايا.
أما السور المدنية فنراها في مجموعها تفصل الحديث عن دقائق التشريع،
وتفاصيل الأحكام، وأنواع القوانين المدنية، والجنائية والاجتماعية، وآداب
العلاقات الشخصية والعامة، وسائر ضروب العبادات والمعاملات.
نراها تفصل الحديث عن أهل الكتاب من حيث عقائدهم، وأحوالهم وعلاقة المسلمين
بهم .. نراها تتحدث باستفاضة عن الجهاد في سبيل الله وأحكامه وآدابه
وفضله. ولنأخذ على سبيل المثال سورة النساء التي كان نزولها بعد الهجرة،
فهي من السور المدنية الخالصة.
فإننا نراها في مطلعها تتحدث في خمس آيات شبه متوالية عن حقوق اليتامى، وعن
وجوب رعايتهم، وعن المحافظة على أموالهم. ومن ذلك قوله تعالى:
[{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ
بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ
كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } (الآية: 2 سورة النساء)]
ثم تتحدث في بضع آيات عن حقوق النساء، وعن وجوب إعطائهن مهورهن كاملة،
فنقول:
[{وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن
شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } (الآية: 4 سورة
النساء)]
ثم تتحدث بعد ذلك عن كيفية تقسيم التركة، وتبين حق كل وارث، فتقول:
[{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الأُنثَيَيْنِ .. } (الآية: 11 سورة النساء)]
ثم تتحدث بعد ذلك عن التوبة المقبولة، وعن التوبة غير المقبولة، وعن النساء
اللاتي يحرم الزواج بهن، وعن الإصلاح بين الزوجين .. قال تعالى:
[{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ
أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ
اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } (الآية: 35
سورة النساء)]
ثم تنتقل إلى الحديث عن أهل الكتاب، وعن وجوب تأدية الأمانات إلى أهلها،
وعن وجوب أخذ الحذر عند القتال. قال تعالى:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ
أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا }]
ثم عن رذائل المنافقين، ومسالكهم لكيد الدعوة الإسلامية، وعن حكم القتل
العمد والقتل الخطأ..
وهكذا نرى أن السور المكية تفصل الحديث عن أصول الإيمان ومكارم الأخلاق،
وأنباء الرسل .. أما السور المدنية فتفصل الحديث عن العبادات والمعاملات
والعلاقات الإنسانية .. ويبلغ عدد السور المدنية عشرين سورة، وهي: البقرة،
آل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والنور، والأحزاب، ومحمد،
والفتح، والحجرات، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والجمعة،
والمنافقين، والطلاق، والتحريم، والنصر.
والسور المختلف في شأنها، أهي مكية أم مدنية: اثنتا عشرة سورة وهي:
الفاتحة، والرعد، والرحمن، والصف، والتغابن، والتطفيف، والقدر، والبينة،
والزلزلة، والإخلاص، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.
أما السور المكية الخالصة فتبلغ اثنتين وثمانين سورة .. وبذلك يكون عدد سور
القرآن مائة وأربع عشرة سورة.
قال الإمام أبو الحسن الحصار في كتابه: الناسخ والمنسوخ، في منظومته التي
تحدث فيها عن المكي والمدني والمختلف فيه من سور القرآن الكريم .. وما سوى
ذاك مكي تنزله .. فلا تكن من خلاف الناس في حصر فليس كل خلاف جاء معتبرا ..
إلا خلاف له حظ من الأثر.
وبعد: فهذه نبذة عن السور المكية والمدنية والمختلف فيها، ومن أراد المزيد
من معرفة ذلك، فليرجع إلى أمهات الكتب في ذلك، ومنها: "البرهان" للزركشي،
و"الإتقان" للسيوطي، و"مناهل العرفان في علوم القرآن" لفضيلة الشيخ محمد
عبد العظيم الزرقاني ـ رحمه الله.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://    www.b7bkya.ahlamontada.com
جمال عبدالحي
Admin
Admin
جمال عبدالحي


عدد المساهمات : 5200
النقط اللى حصلت عليها فى منتدى بحبك يا : 6222
تاريخ التسجيل : 04/10/2010
العمر : 30

بطاقة الشخصية
لعبه: كابتن جمي
ســــوره:
في ضوء القرآن الكريم Left_bar_bleue0/0في ضوء القرآن الكريم Empty_bar_bleue  (0/0)

في ضوء القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: في ضوء القرآن الكريم   في ضوء القرآن الكريم Icon_minitime12/08/11, 10:21 pm




- معرفة أسباب النزول .. لماذا؟

أن المتدبر في القرآن الكريم، يرى أن معظمه قد نزل ابتداء غير مرتبط بسبب
من الأسباب، وإنما نزل ليكون هداية للناس إلى ما يسعدهم ويهديهم إلى الصراط
المستقيم.
كما يرى أن قسما منه قد نزل لسبب من الأسباب الخاصة، كالإجابة على أسئلة
السائلين، وكإرشاد نم أخطأ إلى الحكم السليم. ومن أشهر الكتب التي ألفت في
هذا الموضوع، كتاب "لباب النقول في أسباب النزول" للإمام السيوطي.
ومعنى سبب النزول، بيان ما نزل الآية أو الآيات متحدثة عنه، أو مبينة
لحكمه.
ومن الأمثلة لذلك: ما حدث بين الأوس والخزرج من خلاف بسبب دسيسة أشاعها
بينهم شاس بن قيس اليهودي .. فأنزل الله تعالى آيات من سورة آل عمران، نهت
المؤمنين عن طاعة أعدائهم، وأمرتهم بالإخاء والاتحاد ومراقبة الله تعالى:
نزل قوله تعالى:
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ
الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
"100" وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ
وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ "101" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "102"
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ
نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا
حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ
لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ "103"} (الآيات: 100 : 103 سورة
آل عمران)]

ولمعرفة أسباب النزول فوائد من أهمها:
أ. الاستعانة على فهم الآية أو الآيات، ودفع الإشكال عنها، ومعرفة مقاصدها
معرفة سليمة، وتفسيرها صحيحا.
قال الإمام ابن تيميه رحمه الله: "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية،
فإن العلم بالسبب يورث العلم المسبب".
ومن أمثلة ذلك ما جاء في الحديث الصحيح من أن عروة بن الزبير رضي الله
عنهما أشكل عليه وجوب السعي بين الصفا والمروة، في قوله تعالى:
[{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ
الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا
..} (سورة البقرة: الآية 158)]
وسبب هذا الإشكال أن الآية نفت الجناح، ونفي الجناح ـ أي: الإثم والحرج ـ
في رأيه لا يتفق مع وجوب السعي بين الصفا والمروة في حالة الحج أو العمرة.
فأفهمته السيدة عائشة رضي الله عنها أن نفي الجناح، ليس نفيا لوجوب السعي
بينهما، وإنما هي نفي للحرج الذي وقر في أذهان بعض المسلمين، من أن السعي
بينهما من أعمال الجاهلية، لأنهم كانوا في الجاهلية يسعون بينهما، ويتمسحون
بصنمين كانا موجودين عندهما.
جاء في صحيح البخاري أن عروة بن الزبير، قال للسيدة عائشة رضي الله عنها
أرأيت قول الله تعالى:
[{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ
الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا
..} (سورة البقرة: الآية 158)]
فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بالصفا والمروة!!
فقالت له عائشة: بئسما قلت يا ابن أختي، أن هذه الآية لو كانت كما أولتها
لكانت فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن
يدخلوا في الإسلام يهلون أي: يحجون ـ لمناة الطاغية ـ أي: لصنم كبير ـ
الذي كانوا يعبدونه عند المشلل ـ اسم مكان ـ ، فكانوا بعد الإسلام يتحرجون
من السعي بين الصفا والمروة، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
وقالوا: إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة ـ لأنه يذكرهم بما كانوا
يفعلونه في الجاهلية ـ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ثم قالت عائشة لعروة: "وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما،
فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما".
والخلاصة: أن معرفة سبب النزول، جعل السيدة عائشة تفهم الآية فهما سليما،
وتزيل الإشكال الذي وقر في ذهن ابن أختها عروة بن الزبير!! .. بأن بينت له
أن نفي الجناح، المقصود به نفي الحرج عند بعض المسلمين الذين كان يذكرهم
السعي بينهما بما كانوا يفعلونه في الجاهلية، وليس نفي وجوب السعي بينهما.
كذلك من فوائد معرفة سبب النزول: بيان ما هو حق وما هو باطل فيما وقع من
أحداث.
ومن أمثلة ذلك: قصة طعمة بن أبيرق، الذي سرق درعا، وأودعها عند رجل يهودي،
فلما وجد صاحب الدرع درعه، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص عليه ما
حدث، أنكر طعمة السرقة، وادعى أن اليهودي هو الذي سرقها، وجاء أقارب طعمة
ليدافعوا عنه .. فأنزل الله تسع آيات من سورة النساء، بينت ما هو حق وما هو
باطل في هذه القضية الملتبسة.
نزلت هذه الآيات التي بدأ بقوله تعالى:
[{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ
النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا "105"
وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا "106" وَلاَ
تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ
يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا "107" يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ
وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا
لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا
"108" هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ
عَلَيْهِمْ وَكِيلاً "109" }]
وبذلك كان معرفة سبب نزول هذه الآيات الكريمة، كاشفا عن السارق الحقيقي،
ومبرئا لمن اتهم ظلما بالسرقة.
وهكذا نرى أن لمعرفة سبب النزول للآية أو الآيات فوائد عدة، إذ عن طريق هذا
الفهم: يتيسر الحفظ، ويسهل الفهم، ويزول الإشكال، ويثبت الحق، ويزهق
الباطل، وتعرف الحكمة فيما شرعه الله تعالى من أحكام، وبذلك يزداد المؤمنون
إيمانا على إيمانهم.
ولا طريق لمعرفة أسباب النزول، ألا النقل الصحيح عن الصحابة، فهم الذين
عاصروا نزول القرآن، وهم الذين نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه
الآية أو الآيات نزلت في حادثة كذا، أو للإجابة على سؤال موضوعه كذا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://    www.b7bkya.ahlamontada.com
جمال عبدالحي
Admin
Admin
جمال عبدالحي


عدد المساهمات : 5200
النقط اللى حصلت عليها فى منتدى بحبك يا : 6222
تاريخ التسجيل : 04/10/2010
العمر : 30

بطاقة الشخصية
لعبه: كابتن جمي
ســــوره:
في ضوء القرآن الكريم Left_bar_bleue0/0في ضوء القرآن الكريم Empty_bar_bleue  (0/0)

في ضوء القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: في ضوء القرآن الكريم   في ضوء القرآن الكريم Icon_minitime12/08/11, 10:21 pm

القصة القرآنية .. لها مقصد وهدف

أن الذي يتدبر القرآن الكريم، يرى جانبا كبيرا من آياته وسوره، قد اشتمل
على قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعلى قصص غيرهم من الأخيار
والأشرار.
يرى ذلك بصورة أكثر تفصيلا في السور المكية، التي كان نزولها قبل الهجرة،
لأنها في الأعم والأغلب اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله تعالى وعلى
صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من
عند الله تعالى وعلى أن البعث وما يترتب عليه من ثواب أو عقاب حق وصدق.
وهذه الأدلة ساقتها السور المكية تارة عن طريق قصص الأنبياء مع أقوامهم،
وتارة عن غير ذلك من الطرق الأخرى، كالنظر في ملكوت السماوات والأرض، وفي
خلق الإنسان وغيره من سائر المخلوقات.
أما السور المدنية وهي التي كان نزولها بعد الهجرة، فهي في الأعم والأغلب
اهتمت بعد أن رسخت العقيدة السليمة في قلوب المؤمنين، بتفصيل أحكام الشريعة
العملية، كالعبادات، والمعاملات، والحدود، والعلاقات الاجتماعية، وتنظيم
شئون الدولة الإسلامية داخليا وخارجيا..
فمثلا من السور المكية التي اشتمل معظمها، أو جانب كبير منها، على قصص
الأنبياء، سور: الأعراف، ويونس، وهود، ويوسف، والشعراء، والقصص، والصافات
.. الخ.
والقصة في كل زمان ومكان لها أثرها العميق في النفوس، لما فيها من عنصر
التشويق، وجوانب الاعتبار والاتعاظ .. ولا تزال على رأس الوسائل التي يدخل
منها الهداة والمصلحون والقادة، إلى قلوب الناس وعقولهم، لكي يسلكوا الطريق
القويم، ويعتنقوا الفضائل، ويجتنبوا الرذائل، ويسلموا وجوههم لله الواحد
القهار ومن هنا ساق ما ساق من قصص يمتاز بسمو الغاية، وشريف المقصد، وصدق
الكلمة والموضوع، وتحري الحقيقة بحيث لا تشوبها شائبة من الوهم أو الخيال
أو مخالفة الواقع.
كما أن من مميزات قصص القرآن: اشتماله عن طرق شتى في التربية والتهذيب،
تارة عن طريق الحوار، وأحيانا عن طريق سلوك طريق الحكمة والاعتبار، وطورا
عن طريق التخويف والإنذار نرى ذلك على سبيل المثال في قوله تعالى:
[{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ
وَحَصِيدٌ "100" وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا
أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن
شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ
"101" وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ
إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "102" إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ
خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ
يَوْمٌ مَّشْهُودٌ "103" } (سورة هود: 100 ـ 103)]
وللقصة في القرآن الكريم أهداف سامية، ومقاصد عالية، وحكم متعددة من أهمها:
أ. بيان أن الرسل جميعا قد أرسلهم الله تعالى برسالة واحدة في أصولها ألا
وهي إخلاص العبادة لله الواحد القهار، وأداء التكاليف التي كلف سبحانه خلقه
بها وقد وردت آيات كثيرة تدل على أن أول كلمة قالها كل رسول لقومه، هي
أمرهم بعبادة الله تعالى، ونهيهم عن عبادة أحد سواه.
فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه كما حكى القرآن عنه:
[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة
الأعراف: 59)]
وهذا هود عليه السلام يقول لقومه:
[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة
الأعراف: 65)]
وهذا صالح عليه السلام يقول لقومه:
[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة
الأعراف: 73)]
وهذا شعيب عليه السلام يقول لقومه:
[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة
الأعراف: 85)]
فهذه الجملة الكريمة حكاية لما وجهه هؤلاء الأنبياء لقومهم من إرشادات
وهدايات. أي: قالوا لهم بكل لطف وأدب: اعبدوا الله وحده لا شريك له، فإنه
هو المستحق للعبادة، أما سواه فلا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
ويحكي القرآن الكريم هذا المعنى على لسان كل نبي فيقول:
[{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (سورة الأنبياء: 25)]
أي: وما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول آخر، إلا وأفهمناه عن طريق وحينا،
أنه لا إله يستحق العبادة والطاعة آلا أنا، فعليه أن يأمر قومه بذلك، وأن
ينهاهم عن عبادة غيري.
ب. بيان أن هذا القرآن عند الله تعالى وأن ما اشتمل عليه هذا القرآن من قصص
للسابقين، لا علم للرسول صلى الله عليه وسلم بها، وإنما علمها بعد أن
أوحاها الله تعالى إليه، وأنه صادق فيما يبلغه عن ربه. استمع إلى القرآن
وهو يقرر ذلك في مواطن متعددة، فيقول في أعقاب حديث طويل عن قصة نوح عليه
السلام مع قومه:
[{تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا
أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ
لِلْمُتَّقِينَ } (سورة هود: 49)]
أي: تلك القصة التي قصصناها عليك عن نوح وقومه من أخبار الغيب الماضية،
التي لا يعلم دقائقها وتفاصيلها أحد سوانا، ونحن "نوحيها إليك" ونعرفك بها
عن طريق وحينا الصادق الأمين.
وهذه القصة وأمثالها "ما كنت تعلمها" أنت يا محمد، وما كان يعلمها "قومك"
أيضا بهذه الصورة الصادقة الحكيمة "من قبل" هذا الذي الوقت أوحيناها إليك
فيه.
ومادام الأمر كذلك "فاصبر" صبرا جميلا على تبليغ ما أمرك الله بتبليغه، كما
صبر أخوك نوح من قبلك، واعلم أن العاقبة الحسنة للمتقين الذين صانوا
أنفسهم عن كل ما لا يرضي الله تعالى.
فالآية الكريمة تعقيب حكيم عن قصة نوح عليه السلام، قصد به الامتنان على
النبي صلى الله عليه وسلم كما قصد به الموعظة والتسلية.
أما الامتنان فنراه في قوله سبحانه: "ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل
هذا" وأما الموعظة فنراها في قوله تعالى: "فاصبر".
أما التسلية فنراها في قوله عز وجل: "أن العاقبة للمتقين". وشبيه بذلك ما
قاله سبحانه في أعقاب الحديث الطويل عن قصة يوسف عليه السلام مع أخوته مع
غيرهم قال تعالى:
[{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ
إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } (سورة يوسف: 102)]
أي: ذلك الذي قصصناه عليك يا محمد من قصة أخيك يوسف، من الأخبار الغيبية
التي لا يعلمها علما تاما شاملا إلا الله تعالى وحده، ونحن "نوحيه إليك"
ونخبرك به لما فيه من العظات والعبر.
وأنت يا محمد ما كنت حاضرا مع أخوة يوسف، وقت أن أجمعوا أمرهم للمكر به،
وللاعتداء عليه، وقد أخبرناك بذلك للاعتبار والاتعاظ.
ونرى مثل هذا المعنى أيضا وهو الدلالة على أن هذا القرآن من عند الله تعالى
وحده ما قصه سبحانه علينا بعد حديث طويل عن جانب من قصة موسى عليه السلام،
وعن جانب من قصة مريم.

أما بالنسبة لقصة موسى عليه السلام فقد قال سبحانه:
[{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى
الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ "44" وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا
قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي
أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا
مُرْسِلِينَ "45" وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا .. "46"}
(سورة القصص: الآيات 44 ـ46)]
أي: لم تكن يا محمد حاضرا وقت أن كلفنا أخاك موسى بحمل رسالتنا، وكان ذلك
عند الجانب الغربي لجبل الطور، ولم تكن أيضا من المشاهدين لما أوحيناه
إليه، ولكنا أخبرناك بذلك بعد أن خلت بينك وبين موسى أزمان طويلة.
ولم تكن إيضا مقيما في أهل مدين، وقت أن حدث ما حدث بين موسى عليه السلام
وبين الشيخ الكبير وابنتيه من محاورات ..
ولم تكن كذلك بجانب جبل الطور وقت أن نادينا أخاك موسى، وأنزلنا إليه
التوراة لتكون هداية ونورا لقومه.
فالمقصود بهذه الآيات الكريمة بيان أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأن
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن عالما بتلك الأحداث السابقة، وإنما أخبره
الله تعالى بها عن طريق قرآنه الكريم، ووحيه الصادق الأمين.
وأما بالنسبة لقصة مريم، فقد قال سبحانه خلالها:
[{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ
إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } (سورة آل عمران: الآية 44)]
أي: ذلك القصص الحكيم الذي قصصناه عليك يا محمد فيما يتعلق بما قالته امرأة
عمران، وما قاله زكريا، وما قالته الملائكة لمريم.
ذلك كله من أخبار الغيب التي ما كنت تعلمها أنت ولا قومك، وإنما يعلمها
الله وحده وأنت ما كنت حاضرا مع زكريا عليه السلام ومع الذين نافسوه في
كفالة مريم، واقترعوا على ذلك فكانت كفالتها من نصيب زكريا عليه السلام،
ومن الواضح أن المقصود بهذه الآية الكريمة، وما يشبهها من آيات كثيرة،
إقامة الأدلة على أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأن ما اشتمل عليه من
قصص السابقين لم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم علم به، ولم يكن أيضا لغيره
علم صحيح به.
فجاء القرآن الكريم بهذه القصص، وحكاها بالحق والصدق، لتكون عبرة وعظة
للناس .. قال تعالى:
[{إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ
اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (سورة آل عمران:
الآية 62)]
وقال سبحانه:
[{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } (سورة الكهف: الآية 13)]
وقال عز وجل:
[{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } (سورة
الأعراف: الآية 7)]
جـ. كذلك من أهداف القصة في القرآن الكريم: تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه
وسلم، وتسليته عما أصابه من قومه وتبشيره صلى الله عليه وسلم بأن العاقبة
الطيبة ستكون له ولأصحابه .. أما تثبيت فؤاده عن طريق قصص الأنبياء
السابقين، فنراه في آيات كثيرة: منها قوله تعالى:
[{وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ
فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ } (سورة هود: الآية 120)]
وقد جاءت هذه الآية الكريمة في أواخر سورة من سور القرآن الكريم الزاخرة
بقصص الأنبياء مع أقوامهم وهي سورة هود عليه السلام.
فقد اشتملت هذه السورة على قصة نوح مع قومه، وقصة هود مع قومه، وقصة صالح
ولوط وشعيب مع أقوامهم، وقصة إبراهيم مع الملائكة الذين جاءوا يبشرونه
بابنه إسحاق، كما اشتملت على جانب من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملئه.
والمعنى: وكل نبأ من أنباء الرسل الكرام السابقين نقصه عليك أيها الرسول
الكريم ونخبرك عنه: المقصود به تثبيت قلبك، وتقوية يقينك، وتسلية نفسك
ونفوس أصحابك، عما لحقكم من أذى في سبيل تبليغ دعوة الحق إلى الناس ..
ولقد جاءك يا محمد في هذه السورة الكريمة وغيرها من سور القرآن، الحق
الثابت المطابق للواقع، والذكرى النافعة للمؤمنين بما جئت به.
وأما التسلية عن طريق قصص الأنبياء السابقين، والتسرية عن قلبه صلى الله
عليه وسلم ودعوته إلى الاقتداء بهم في صبرهم .. فكل ذلك نراه في آيات كثيرة
منها قوله سبحانه:
[{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا
قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ "52" أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ
طَاغُونَ "53" فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ "54" وَذَكِّرْ
فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ "55"} (سورة الذاريات: الآيات
من 52: 55)]
وقد جاءت هذه الآيات بعد حديث مركز عن جانب من قصة إبراهيم وموسى وهود
وصالح ونوح عليهم الصلاة والسلام.
والمعنى: نحن نخبرك يا محمد بأنه ما أتى الأقوام الذين قبل قومك من نبي أو
رسول، يدعوهم إلى عبادتنا وطاعتنا، إلا وقالوا له كما قال قومك في شأنك هذا
الذي يدعي الرسالة أو النبوة ساحر أو مجنون.
والمقصود بالآية الكريمة: تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من
مشركي قريش، إذ بين له سبحانه أن ما أصابه قد أصاب الرسل من قبله، والمصيبة
إذا عمت خفت.
ثم أضاف سبحانه إلى هذه التسلية تسلية أخرى فقال: "أتواصوا به"؟
أي: أوصي السابقون اللاحقين أن يقولوا لكل رسول يأتيهم من ربهم، أنت أيها
الرسول ساحر أو مجنون!
وقوله سبحانه: "بل هم قوم طاغون": إضراب عن تواصيهم إضراب إبطال، لأنهم لم
يجمعهم زمان واحد أو مكان واحد، حتى يوصي بعضهم بعضا، وإنما الذي جمعهم
تشابه القلوب، والالتقاء على الكفر والفسوق والعصيان.
أي: هل وصى بعضهم بعضا بهذا القول القبيح؟ كلا لم يوص بعضهم بعضا، لأنهم لم
يتلاقوا، وإنما تشابهت قلوبهم، فاتحدت ألسنتهم في هذا القول المنكر.
ثم تسلية ثالثة نراها في قوله تعالى: "فتول عنهم فما أنت بملوم".
أي: فأعرض عنهم أيها الرسول الكريم وسر في طريقك دون مبالاة بمكرهم
وسفاهتهم، فما أنت بملوم على الإعراض عنهم، وما أنت بمعاقب منا على ترك
مجادلتهم ..
وداود على التذكير والتبشير والإنذار مهما تقول المتقولون، فإن التذكير بما
أوحيناه إليك من هدايات سامية، وآداب حكيمة .. ينفع المؤمنين.
وشبيه بهذه الآيات في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أذى،
قوله تعالى:
[{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ
وَثَمُودُ "42" وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ "43" وَأَصْحَابُ
مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ
فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ "44"} (سورة الحج: 42 ـ 44)]

وأما دعوته صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بإخوانه الأنبياء السابقين في
صبرهم، فناره في آيات متعددة .. منها قوله سبحانه:
[{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .. } (سورة
الأنعام: 90)]
وقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد أن ذكر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه
وسلم في الآيات السابقة عليها أسماء ثمانية عشر نبيا، ثم أمره بالاقتداء
بهم فقال:
[{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .. } (سورة
الأنعام: 90)]
أي: أولئك الأنبياء الذين ذكرناهم لك يا محمد، هم الذين هديناهم إلى الحق،
وإلى الطريق المستقيم فبطريقتهم إلى الإيمان بالله، وفي ثباتهم على الحق،
كن مقتديا ومتأسيا.
وأما تبشيره صلى الله عليه وسلم عن طريق قصص الأنبياء السابقين بأن النصر
سيكون له ولأتباعه، فنراه في آيات كثيرة: منها قوله تعالى:
[{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا
كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ
لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (سورة
الأنعام: 34)]
أي: ولقد كذب الأقوام السابقون رسلا كثيرين جاءوا لهدايتهم، فكان موقف
هؤلاء الرسل من هذا التكذيب والأذى الصبر والثبات، واستمروا على صبرهم
وثباتهم حتى أتاهم نصرنا الذي اقتضته سنتنا وأحكامنا التي لا تتخلف.
ولقد جاءك أيها الرسول الكريم من أخبار إخوانك الأنبياء السابقين ما فيه
العظات والعبر، فعليك أن تستبشر بأن النصر سيكون لك ولأتباعك.
ومن الآيات التي بشرت النبي صلى الله عليه وسلم بأن العافية ستكون له
ولأتباعه، كما كانت للأنبياء السابقين وأتباعهم قوله تعالى:
[{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ
عَزِيزٌ } (سورة المجادلة: 21)]
وقوله سبحانه:
[{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ "171"
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ "172" وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ
الْغَالِبُونَ "173"} (سورة الصافات: الآيات 171 ـ173)]
[{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } (سورة غافر: الآية 51)]
كذلك من أهداف القصة في القرآن الكريم: الاعتبار والاتعاظ. قال تعالى:
[{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ
حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }]
وهذه الآية الكريمة هي الآية الأخيرة التي ختم الله تعالى بها سورة يوسف
عليه السلام، التي اشتملت على احسن القصص وأحكمه وأصدقه وأشده أثرا في
النفوس .. أي: لقد كان في قصص أولئك الأنبياء الكرام، وما جرى لهم من
أقوامهم، عبرة وعظة لأصحاب العقول السليمة، والأفكار القويمة، بسبب ما
اشتمل عليه هذا القصص من حكم وآداب وإرشادات.
وما كان هذا الذي قصصناه حديثا مختلقا أو كاذبا، وإنما هو حديث لحمته وسداه
الصدق الذي لا يحوم حوله الكذب، والتأييد لما صح من الكتب السابقة التي
امتدت إليها أيدي الفاسقين بالتحريف والتبديل، والتفصيل والتوضيح للشرائع
السابقة، والهداية والرحمة لقوم يؤمنون به، ويعملون بما فيه من أمر أو نهي.
والعبر والعظات التي نأخذها من قصص القرآن الكريم، لها صور شتى منها: بيان
حسن عاقبة المؤمنين، الذين ثبتوا على الحق، وابتعدوا عن الباطل، وتابوا إلى
الله تعالى توبة صادقة، وشكروا الله تعالى على نعمه، بأن استعملوها فيما
يرضيه لا فيما يسخطه.
ونرى نماذج لذلك في قصة سليمان عليه السلام الذي آتاه الله تعالى ملكا لا
ينبغي لأحد من بعده، فلم يبطره هذا الملك، ولم يشغله عن ذكر الله تعالى بل
قال كما حكى القرآن عنه "هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر".
ونرى نماذج لذلك في قصة ذي القرنين، الذي مكن الله تعالى له في الأرض،
فاستعمل ما آتاه الله من قوة في الخير لا في الشر، وفي الإصلاح لا في
الإفساد.
ونرى نماذج لذلك في قصة أصحاب الكهف، الذين آمنوا بربهم، وزادهم الله تعالى
إيمانا على إيمانهم، بسبب ثباتهم على الحق.
نرى نماذج لذلك في قصة قوم يونس عليه السلام الذين استجابوا لدعوة الحق،
وصدقوا نبيهم فيما أخبرهم به، وأخلصوا دينهم لله تعالى.
[{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ
قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } (سورة يونس: الآية
98)]
والمعنى: فهلا عاد المكذبون إلى رشدهم وصوابهم، فآمنوا بالحق الذي جاءتهم
به رسلهم، فنجوا بذلك من العذاب، كما نجا منه قوم يونس عليه السلام بسبب
ندمهم على ما فرط منهم، وإيمانهم إيمانا صادقا، وتوبتهم توبة نصوحاً،
فعاشوا آمنين إلى حين انقضاء آجالهم في هذه الدنيا ..
ومنها: بيان سوء عاقبة المكذبين، الذين أصروا على كفرهم، ولم يستمعوا
لنصائح أنبيائهم، واستحبوا العمى على الهدى، وجحدوا نعم الله تعالى
واستعملوها في المعاصي لا في الطاعات.
ونرى نماذج لذلك في قصة قارون الذي آتاه الله تعالى من النعم ما أتاه، فلم
يشكر الله تعالى على نعمه، بل قال بكل غرور وصلف: "إنما أوتيته على علم
عندي".
كما نرى نماذج لذلك في قصة أهل سبأ الذين قال الله تعالى في شأنهم:
[{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ
وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ
طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ "15" فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ
سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى
أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ "16" ذَلِكَ
جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ "17"}
(سورة سبأ: الآيات: 15 ـ 17)]
ولفظ "سبأ" في الأصل: اسم لرجل ينتهي نسبه إلى أول ملك من ملوك اليمن،
والمراد به هنا: الحي أو القبيلة المسماة باسمه، وكانوا يسكنون بمأرب على
مسيرة ثلاثة أيام من صنعاء.
والمعنى: لقد كان لقبيلة سبأ في مساكنهم، علامة واضحة على فضل الله مساكنهم
والثاني عن شمالها .. وقال الله تعالى لهم على ألسنة الصالحين منهم: "كلوا
من رزق ربكم واشكروا له" نعمه، فأنتم تسكون في بلدة طيبة، فيها كل ما
تحتاجونه، وقد منحها لكم الله الرحيم بكم، الغفور لذنوبكم، فاشكروه على
ذلك.
"فأعرضوا" أي: فأعرضوا عن نصح الناصحين، وجحدوا نعم الله، فكانت نتيجة ذلك،
أن أرسل الله تعالى عليهم السيل المدمر، وتحولت البساتين اليانعة إلى
أماكن ليس فيها سوى الثمار والأشجار التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
هذا الذي فعلناه بهم، سببه جحودهم وبطرهم، ومن سنتنا أننا لا نعاقب بهذا
العقاب الرادع إلا من جحد نعمنا، وفسق عن أمرنا.
والمتدبر للقرآن الكريم يراه قد ساق لنا كثيرا من قصص الجاحدين، ثم بين لنا
سوء مصيرهم. ومن ذلك أنه سبحانه بعد أن ذكر لنا جانبا من قصص نوح وإبراهيم
ولوط، وشعيب، وهود، وصالح وموسى .. مع أقوامهم، عقب على ذلك بقوله تعالى:
[{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ
حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ
خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (سورة
العنكبوت: 40)]
أي: فكلا من هؤلاء المذكورين كقوم نوح وإبراهيم ولوط .. أخذناه وأهلكناه،
بسبب ذنوبه التي أصر عليها ولم يرجع عنها. فمنهم من أرسلنا عليه "حاصبا" أي
ريحا شديدة رمته بالحصاة كقوم لوط عليه السلام.
ومنهم من أخذته الصيحة الشديدة المهلكة كقوم صالح وشعيب عليهما السلام
ومنهم من خسفنا به الأرض وهو قارون.
ومنهم من أغرقناه كما فعلنا مع قوم نوح ومع فرعون وقومه. وما كان الله
تعالى مريدا لظلمهم، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم، وأوردوها موارد
المهالك، بسبب إصرارهم على كفرهم وجحودهم.
هذه بعض الأهداف والمقاصد التي من أجلها ساق القرآن ما ساق من قصص، امتاز
بسمو غايته، وشريف مقاصده، وعلو مراميه.
وهناك أهداف أخرى، يستنبطنها كل ذي عقل سليم، وما ذكرناه هو قليل من كثير،
وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://    www.b7bkya.ahlamontada.com
 
في ضوء القرآن الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الإســــــــــــــــلاميات :: رمضـــــــــــان-
انتقل الى: