عمرو شرف Admin
عدد المساهمات : 4719 النقط اللى حصلت عليها فى منتدى بحبك يا : 15603 تاريخ التسجيل : 28/05/2009 العمر : 34
بطاقة الشخصية لعبه: ســــوره: (0/0)
| موضوع: حكمة الاختلاف .. تعلم كيف تعترض 07/06/10, 04:39 pm | |
| قديما .. كان أفذاذ العروبة القدامى يرون فى الاختلاف رحمة .. كانوا يرون أن الاختلاف فى الرأى أحد مؤسسات التفكير العلمى .. وأحد أهم روافد العقل البشري .. فلولا الاختلاف فى الرأى .. واحترام وجهات النظر المخالفة .. لما خرج من العالم العربي والاسلامى أغنى كنوز الفكر والفقه على مدار تاريخه المشرف ..
وليس سرا أن الحضارة الاسلامية .. كانت لها الريادة فى تنمية الفكر وتربية الرأى العام .. مع ايمانهم المطلق بالحكمة القائلة " أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضيا " .. كان الخلاف والاختلاف قديما يبعث على المحاورة .. والمحاورة تبعث على طرح الحجة .. وطرح الحجة يؤسس فى العقائد أسمى المذاهب القائمة على اعمال العقل والتدبر .. وهى الوظيفة الرئيسية للعقل البشري وحكمة خلقه ..
وظهرت فى الفقه الاسلامى المذاهب الأربعة متباينة الأفكار والآراء .. ومتفقة الرأى فى المبادئ الرئيسية .. وخلفها كان الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم .. امام دار الهجرة مالك بن أنس .. وفقيه العراق الامام أبي حنيفة النعمان رائد فكر القياس وفقه التقدير .. والامام محمد بن ادريس الشافعى نابغة الفقه والأدب والفقيه المجدد .. والامام أحمد بن حنبل العلامة المحافظ .. وبنظرة الى المذاهب الأربعة .. نجد بينها الاختلافات المتنوعة وكل منها له حجته المعضدة بالأدلة من القرآن والسنة .. وبنظرة الى الأئمة الأربعة نجد التواصل بينهم نموذجيا بقدر العلم الذى اختصهم به الله .. فعلى الرغم من اختلافهم ومعاصرتهم لبعضهم البعض ..
الا أن اختلافهم هذا لم يمس بأى حال من الأحوال تقديرهم الشخصي لمكانة كل منهم فى العلم .. وهذه هى أولى صفات العلماء .. فنجد الامام أبي حنيفة النعمان يأبي الفتيا فى حضرة مالك رضى الله عنهما .. ويكرر الحكمة المأثورة " لا يفتى ومالك فى المدينة " اجلالا وتقديرا لهذا الفقيه العلم .. كما نجده يقول " قولنا هذا رأى .. وهو أقصي ما قدرنا عليه .. فمن جاء الينا بأفضل منه قبلناه " وهو تكريس كامل لمبادئ حرية النقاش والحوار طمعا فى الوصول الى الحق عن طريق مقارعة الحجة بالحجة .. هذا بالرغم من الخلاف الشهير بين الامامين الكبيرين .. فى تناول كل منهما لمسائل الفتيا .. فالامام مالك رائد مدرسة المحافظين .. والامام أبي حنيفة رائد مدرسة الفقه التقديري .. ونجد الامام محمد الشافعى بالرغم من اختلافه مع أستاذيه الكبيرين الامام مالك والامام أبي حنيفة الا أنه عندما يقرر كتابة معارضته للامام مالك فى كتاب .. يعنون الكتاب بعنوان يشف عن مدى احترامه للامام مالك .. " اختلاف مالك والشافعى " أى أنه بادر الى تقديم اسم أستاذه على اسمه اعترافا بمكانة الرجل .. وهى المكانة التى لا تمنع بأى حال كان أن يختلف مع أستاذه طالما كانت لديه الحجة والدليل والفكر القابل لهذا الاختلاف .. وعندما يعارض أبي حنيفة معارضة شديدة فى بعض أحكامه .. لم تمنعه تلك المعارضة مطلقا من انكار مكانة أبي حنيفة .. وكان هو القائل " كل الفقه عيال على أبي حنيفة " والامام أحمد بن حنبل .. عندما يسأله ولده عن أقرب الناس الى عهد الصحابة فى المعاصرين .. يجيبه بن حنبل بلا تردد " الشافعى " .. على الرغم من اختلافه مع الشافعى فى معظم أحكامه .. لكنه كان اختلاف العلماء حيث يثمر .. لا اختلاف الأهواء حيث يبطر .. بل ان الشافعى رضي الله عنه .. وفى تقدير لا مزيد عليه للامام بن حنبل رضي الله عنه .. أوقف حلقات الدروس التى كان يلقيها عندما قدم بن حنبل الى الشافعى فى مكان اقامته .. ولما ذهب اليه بن حنبل يسأله عن سر توقفه عن دروسه أجابه الشافعى العظيم .. " وجود حلقتك يا بن حنبل .. اذا وجد الماء بطل التيمم " هؤلاء بقية الخير الذين أسسوا للفكر مذاهب الحوار والاختلاف على النحو الذى تهنا عنه والطريق الذى ضللنا عن هداه للأسف الشديد .. حيث أثمر الخلاف فى الرأى ضغائن الاعجاب بالرأى ورفض المعارضة .. والايمان المطلق بأن أقوالنا على الحق وغيرنا على الباطل ..
أزمة الحوار ..
قديما كان الحوار الهادف يجرى فى عذوبة وسلاسة .. دونما ثورة .. دونما علو صوت الا للحماسة فقط .. كان الحوار والجدال جدال خير .. لا مراء شر .. كانت مناظرات ومساجلات أهل العلم والفكر والفقه والأدب .. قمة فى احترام الرأى والرأى الآخر وتقدير الحجة لدى كل منهما .. بل كم أثمرت المناقشات عن معين للعلم لا ينضب .. مع حماسة كل طرف أن يأتى بالحجة التى تؤيد رأيه .. وتعضد ايمانه بقضيته .. وفى نهاية الحوار .. غالبا ما تثمر الاتفاق .. فمحاورات العلماء قائمة على تناول الحجج سعيا وراء الحق وحده .. لذا فلا يجد أى طرف محاور من العلماء نقيصة فى الاعتراف لمحاوره بصحة رأيه .. أما محاورات الجهلاء ... فتلك القائمة على الاعجاب بالرأى وهو آفه المجتمع الحقيقية الآن .. عمالا بمبدأ من ليس معى فهو ضدى .. وصدقت مقولة الامام على رضوان الله عليه .. " لو حاورت ألف عالم لغلبته .. ولو حاورنى جاهل واحد لغلبنى .." والمعنى المقصود واضح .. لأن الامام على بما أوتى من قوة الحجة .. ونبوغ الأسلوب قادر على احتواء العلماء أمامه لأن العالم عندما يحاور يهدف أولا وأخيرا الى الوصول للحق .. بغض النظر عما ان كان جانب الحق جانبه أم جانب غيره ..
أما الجاهل فهدفه من الحوار ...هو هزيمة محاوره .. بغض النظر عما ان كان الحق حليفه أم حليف محاوره ... لأن المناقشة هنا تعد مضمارا للخصومة لا العلم .. فمهما بلغ العالم من قوة الحجة وغلبة المنطق .. فلن يستطيع مطلقا اقناع من لا يريد الاقتناع .. طالما كان فى قلبه هوى .. وقد رى لنا التاريخ الاسلامى العديد من المحاورات العظيمة .. اشتهرت فيما عرف باسم الأجوبة المسكتة أو المستحسنة .. وهى الأجوبة التى تطرح على مائدة الحوار فتأخذ اعتراف المحاور بنبوغ محاوره وتفوقه عليه ..
مثال ذلك .. عندما أتى الى هارون الرشيد الخليفة العباسي الأشهر .. أحد أولى العلم ناصحا للخليفة .. فافتتح الحديث قائلا " يا أمير المؤمنين .. انى أريد أن أقول لك فى الحق قولا غليظا فاسمعه منى .. " فرد هارون الرشيد .. " والله لا تفعل .. ان الله عندما أمر موسي عليه السلام وهارون أخاه بأن يذهبا الى فرعون قال لهما .. وقولا له قولا لينا .. وما أنت بأتقي من موسي .. ولا أنا بأعصي من فرعون " فسكت العالم .. ثم قال مبتسما .. صدقت يا أمير المؤمنين .. وقال ما يريد فى شيئ من اللين .. لم تأخذ العالم .. عزة علمه على نحو خاطئ .. فمنعته من الاعتراف بصحة ما قال الخليفة .. بل على العكس أقر قولة الحق ولزم ..
فأين نحن من هذا ..
والخليفة الامام .. امام الهدى كما سماه معاصروه .. عمر بن عبد العزيز .. رضى الله عنه .. قدمت اليه الوفود من مختلف الأمصار عارضة اليه شكواها .. وقام كل وفد بتقديم متحدث باسمه .. وجاءت احدى الوفود .. واذا بالمتحدث باسمهم صبيا صغير السن .. فلما هم بالحديث منعه الخليفة قائلا " يا بنى ., أليس هناك من هو أسن منك .. فيتحدث عن القوم " .. فأجابه الصبي النابغة باجابة صارت مثلا .. قال " يا أمير المؤمنين .. لو كان الأمر بالسن .. لكان هناك من هو أحق منك بالخلافة " فاستحوذ الاعجاب الشديد على الحضور من سرعة البديهة لدى الغلام .. وكان أول المقرين له فى الحديث هو الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ,,
فتخيلوا معى لو أن تلك الواقعة حدثت بعصرنا .. ستكون الواقعة فعلا ..
ولسنا بحاجة الى النظر كثيرا فى التاريخ وحده .. ففي أيامنا المعاصرة من أهل الفكر من أعادوا بقية الأمس .. لكننا لم نلتفت اليهم .. لم ننهج نهجهم .. فحولنا المناقشات الى ساحات للمعارك .. ومضمار للخصومة .. وأصبح المحاور العاقل .. ولن أقول العالم اذا هم بالنقاش والسؤال .. فقط السؤال .. تمطر السماء عليه لهيبا من الاتهامات ..بالتخوين تارة .. وبالكفر تارة أخرى !!!
تعلم كيف تعترض .. وتعلم كيف تعارض ..
مع أن الاسلام هو دين الوسطية .. الا أننا للأسف عدنا فى حوارنا لأسلوب الجاهلية بل ما هو أفدح فالحوار بين سبيلين كلاهما قمة التطرف .. فاما مؤيد على طول الخط .. واما معارض على طول الخط ..
ففي المجال السياسي مثلا .. اذا فتح الباب أمام لمناقشة لعصر حال أو ماض .. ستجد نفسك أمام مسرحية هزليه .. ومعركة حامية الوطيس بين مؤيدى ذاك العصر أو ذاك .. وكلاهما على الباطل .. لأنه مامن حاكم خاصة بعصرنا الحالى الا وله من العيوب أفدحها ... وله من المواقف ما يحترم .. لكن من يؤيد يؤيد على الاطلاق فيري الباطل حقا ... ومن يعارض يري الحق باطلا .. وفريق ثالث يأبي النقاش من الأساس ... والكارثة أنه يستند فى ذلك الشريعة الاسلامية التى تقول بطاعة ولى الأمر .. وأن الحاكم الظالم خير من فتنة .. !! وتلك هى بحق كارثة عالمنا العربي المعاصر ..
أولا ... مبدأ الاعتراض والمعارضة أحد الحقوق الجوهرية التى لا غنى عنها لمسلم يري لنفسه حقوق الرعية .. والسلبية تحت زعم طاعة ولى الأمر هو المفسدة بعينها .. لأن مجرد تحريم الاعتراض يفتح الباب أمام السلطة المطلقة للحاكم .. والسلطة المطلقة .. مفسدة محرقة .. ان لكل فرد من الرعية حق ثابت بسؤال ولى الأمر عما شاء .. طالما كان السؤال سلميا .. لا بطريقة حمل السلاح .. وتلك هى أول المحرمات .. أما السؤال السلمى فهو الرقابة الضرورية على سلطات الحاكم .. ولو أن مجرد ممارسة الاعتراض والمعارضة بأى شكل من أشكالها .. كتابية أو خطابية أو حتى تظاهرية تمثل اعتداء على الشريعة الاسلامية .. لأثم الصحابي الذى اعترض عمر بن الخطاب فى خطابه على المنبر .. عندما قال عمر .. " أيها الناس اسمعوا وأطيعوا .. " فهب الرجل واقفا وهاتفا والله لا نفعل .. والله لا نفعل " فساءله عمر لماذا .. فعرض الرجل مظلمته على عمر وسؤاله له عن توزيع الغنائم وعن سبل توزيعها .. فأجابه عمر بما يكفيه .. فما كان من الرجل بعد أن شفي غليله الا الجلوس قائلا فى حبور .. " الآن نسمع ونطيع " فهل كان فى اعتراض الرجل شيئا مما يتشدق به دعاة الفضيلة الآن وهم بحقيقة الأمر دعاة سلبية
وثانيا.. كيف تكون المعارضة وكيف يكون الاعتراض .. الاعتراض أن تبدى رأيا سلبيا فى خصوص أمر ما يصدره أولى الأمر .. لكن دون أن يكون لديك البديل المناسب للطرح المعترض عليه .. والمعارضة .. هى أن تأخذ موقفا رافضا لأمر ما يقره أولى الأمر وتقدم أسباب رفضك وتطرح بذات الوقت بديلا مناسبا لما رفضته .. وتكون المناقشة هى أساس المفاضلة بين رأيك وبين ما اعترضت عليه .. والحكم لأغلبية الرأى .. هذه هى ديمقراطية الاسلام التى كفلت لدولة الاسلام أن تبلغ المشرق والمغرب فى غضون سنوات تعد كالثوانى بعمر الحضارات .. لكننا وللأسف الشديد .. لا نرى من يعارض الآن .. معارضا لهدف .. بل لهوى .. ونجد من يعترض ..يعترض طلبا للأصلح .. بل للمصلحة الشخصية .. وقس على هذا شتى مجالات الفكر .. لم يعد اختلاف الرؤي داعيا للرحمة .. بل بوابة للعذاب .. وأصبح كل طارح لرأى لا يحتمل له نقدا أو تعديلا .. كما لو أنه أتى برأى منزل من السماء .. ولو صادف رأيه نقدا .. فالرد سابق التجهيز .. بين اتهامات بالجهل .. والكفر ... وما الى ذلك .. وينسي رامى الاتهام أنه خرج عن موضوع الحوار الى تفاهات التراشق بالألفاظ والاتهامات .. مع أن جهده من المفروض أن ينصب على توضيح رأيه والدفاع عنه بالمنطق والحجة .. والرد يجب أن يكون منصبا على رأى المعارض لا شخصه ..
لكن من يسمع .. ومن يفهم .. رحم الله زمانا .. كنا فيه أهلا للفكر .. لا أصناما للهوى .. رحم الله زمانا .. كنا فيه فى الله اخوة .. وفى الايمان قدوة __________________ لعمرك ما ضاقت البلاد بأهلها .... و لكن أحلام الرجال تضيق
| |
|